حملت رسالة رئيس الجمهورية في احتفالية يوم المجاهد الكثير من الدلالات وشكلت أرضية عمل للمستقل الذي تعمل الجزائر المستحيل من اجل أن يكون أكثر إشراقا وأملا يؤمن المكاسب المحققة بشق الأنفس والتضحيات الجسام ويعزز بالخصوص انجازات عقود من الزمن لا سيما ما تحقق خلال العشريتين الأخيرتين في صدارتها المصالحة الوطنية مدخل الاستقرار اليوم والغد.
جاءت رسالة الرئيس في رصد مسيرة التحرر الوطني والبناء والتشييد كاشفة مغزى النضال الذي خاضه الجزائريون جبهة واحدة متلاحمة منساقة متجاوبة مع ما رسمه نوفمبر وما خطط له من رؤية استشرافية جديرة بالتوقف عندها والتحليل لإعطاء حقائق الأشياء وقيم التاريخ النزيهة المصانة للذاكرة والهوية.
إنها الوحدة الوطنية التي ركز عليها قادة الثورة منذ شرارة نوفمبر متمسكين بالقرار الجماعي ،وجددوها في انتفاضة الشمال القسنطيني وحرصوا على إعلائها في مؤتمر الصومام .هي الوحدة التي تجيب للمرة المليون للمشككين أصحاب النظارات السوداء عن كيفية بقاء الجزائر قوية أمنة تواجه العواصف الهوجاء والتحديات وتكسب الرهان. بل ان هذه الوحدة المعيار الثابت الذي يوضح بالملموس ويبين بالدليل القاطع أن هذه العواصف هي التي تعطي قوة إضافية للبلاد للانطلاقة في وثبة قوية لإدارة شؤونها وتنظيم أمورها اعتمادا على استقلالية قرار وسيادة وطنية لا تقبل المساس بها ولا تسمح أن تعرض للمساومة.
ظهر هذا جليا في مختلف مسارات الجزائر ومحطاتها ،آخرها المأساة الوطنية التي خرجت منها البلاد معززة الصف متلاحمة متآزرة متضامنة في جبهة شكلت صمام أمان للتواصل للاستمرارية في إصلاح الشأن الداخلي واستكمال المشروع الوطني الذي يكسب صلابة ومتانة بمنظومة اقتصادية لا تتكل على المحروقات بنسبة تتجاوز المعقول.ولا تظل أسيرة لمنتوج واحد قد يرهن المستقبل.
الجبهة التي أظهرها الجزائريون في مختلف المحطات والتي كانت ولا تزال مفخرة الوطن وانساقت وراء المصالحة الوطنية في تضحية ثانية ،هي التي عاد إليها الرئيس ليذكر المواطنين بجدوى مواصلة المسار والتجنيد حماية للمكسب الذي تحقق بالدم والدمع خاصة في ظل تهديدات تحمل خطورة لا تقبل الاستخفاف وإغماض الأعين وترديد العبارة السلبية «تخطي راسي».
نقول هذا في ظل أخطار تتنامى تؤجج فتيلها النزاعات على الحدود والأزمات المحركة بلا توقف من قوى خارجية مسعورة توظف تناقضات دول المحيط الجغرافي السياسي وتغذي أزماته فاتحة المجال على مصراعيه لانتشار شبكات الإرهاب والمخدرات الجريمة العابرة للحدود والأوطان.
من هنا كانت رسالة الرئيس شفافة لا تحمل اية شفرة، حاسمة للأمور حازمة لها تطالب المواطنين الحفاظ على متانة الجبهة الداخلية وتقويتها وسد أية فجوة من شأنها المساس بالمكاسب.جبهة أرادها الرئيس من خلال قراءته القبلية والبعدية للأحداث المتلاحقة تضع حدا لكل مؤامرة ومناورة محركة من لم يهضم الاستقلال ويتمادى في الترويج لمغالطات لم تعط نتائج ولم تثمر سوى بتقوية العزيمة الوطنية والإرادة في التماسك والانخراط في معركة التحدي الأكبر. تيقنتورين، غرداية وعين صالح وغيرها لا زالت محطات منيرة ودروس تحفظ وتتبع في مسعى التقويم والتجدد الوطنيين أقوى الرهان وأكثره قيمة استراتيجية على الإطلاق.