تعتبر وثيقة الصومام ثاني أهم وثيقة في الثورة الجزائرية من حيث الأهمية بعد بيان أول نوفمبر الذي لم يكن مجرد خارطة طريق للكفاح المسلح من أجل الاستقلال الوطني ولكنها الوثيقة التي حددت طبيعة الدولة الجزائرية المستقلة ورسمت معالمها، ويكفي أن الطبيعة الاجتماعية للدولة الجزائرية حددها هذا البيان الذي جسّد الإنسانية في أسمى معانيها.
جاءت وثيقة الصومام بعد هذا البيان التاريخي لتستكمل وتفصل ما ورد فيه، ورغم ما قيل ويقال عن هذا المؤتمر التاريخي الذي عقد بعد سنتين من اندلاع ثورة نوفمبر المجيدة، فإن هذا الأخير شهد اتخاذ قرارات مصيرية وتاريخية تخص السيادة الوطنية، ويكفي أنه حدّد حدود الدولة الجزائرية المستقلة ومساحتها على الشكل التي هي عليه اليوم، كما تم خلاله الاتفاق على تاريخ 05 جويلية يوما لإعلان الاستقلال، ولم يكن هذا الاختيار لا اعتباطيا ولا ارتجاليا، ولكن لرمزيته ودلالاته، فالاستعمار الفرنسي الذي احتل الجزائر في مثل هذا اليوم من سنة 1830 يجب أن يطرد صاغرا منها في اليوم نفسه، وهذا ما تم في مؤتمر الصومام المنعقد يوم 20 أوت 1956، واختيار هذا التاريخ لم يكن هو الآخر صدفة تاريخ وإنما لما ليوم 20 أوت من رمزية وثقل تاريخي، حيث شهد هذا اليوم من العام 1955 أحد أكبر ملاحم الثورة وهي هجومات الشمال القسنطيني، ما يؤكد أن ثورة نوفمبر الخالدة كانت تعكس نبض وطن بأكمله لا يعترف لا بالجهة ولا بالدشرة وأن ما تلوكه بعض الألسن عن إقصاء جهة أو فريق عن مؤتمر الصومام أو من يصفونه بأنه مؤتمر "التآمر" على مبادئ وأهداف الثورة؟ هي إما أوهام أو سوء فهم أو استكمال للمغالطات التي نسجها النقيب "ليجي" ضابط المخابرات الفرنسية "زداك" سابقا؟!، من حق الجميع معرفة الحقيقة ولكن هل الأحكام المسبقة هي من توصلنا إلى الحقيقة؟.
يعجبني ذكاء الكثير من أبائنا المجاهدين عندما يسألهم البعض - إما بدافع الفضول والاطلاع على خبايا بعض الخلافات والصراعات التي تخللت الثورة أو بدوافع خبيثة ونوايا مبيّتة، عندما يجيبون بالعبارة التالية "يا وليدي المهم الجزائر استقلت".