مع كل صباح ننهض على مشاهد لم يكن لها في ذاكرتنا موعدا،ولم نرسم لها صورة ولا حتى خيالا ، لتصير بعد لحظات طابوها نسايره بكل آسف وأسى ، نتجرع مآسي الغش والخداع والرشوة والمحسوبية وإهدار المال العام ، وغيرها من الامراض المتفشية في يومياتنا بكل حرية ودون رقيب ،وعلى كل المستويات ، سلوكات وتصرفات استفحلت في المجتمع ، وعوض ان يكون ارتكابها ذنبا وجريمة في حق الوطن والمواطن ، صارت اليوم ديكورا ألفناه ونعيش معه دون خوف ،كأن القدر اراد لهذا الوطن تجرع خيبات أبنائه يوم بعد يوم .
العديد من المشاريع السكنية استنفذت اموالا طائلة تعد بملايير الدينارات ولكنها توقفت بسبب غياب دراسة الارضية ، التي هي عماد البناء لأنها تشمل الخبرة الكاملة لنوعية التربة والصخور الباطنية ، ولان الوعاء العقاري الذي شيدت فوقه العمارات يقع فوق صخرة كبرى ، الامر الذي لا تسمح به معايير البناء وترفضه جملة وتفصيلا ، لأنه يشكل خطرا على الساكنة .
اين دور مكاتب الدراسات ؟ اين مصالح المحافظة العقارية ؟ وأين مصالح البناء والتعمير ؟ اين مصالح السكن والترقية العقارية ؟ أين اعوان البلدية والدائرة ؟ اين كان هؤلاء عندما خرجت هذه العمارات من الارض ؟ لماذا لم تتوقف الاشغال في بداياتها ؟ من المسؤول عن هذه المجازر العمرانية وإهدار المال العام ؟
عمارات أخرى سلمت لأصحابها بعد طول انتظار على شكل هدية العمر، تؤمن المواطن من خوف ، وتحميه من برد الليل وحر النهار، تدفع عنه رحلة الفنادق والكراء اللتين ارهقتا كاهله لسنوات طوال ، وبعدما يلج بيته الجديد المكتمل ، يتفاجأ بان البناء لا يتطابق مع المعايير التقنية وكل الجدران عبارة عن احزمة من حبات الأجور متراصفة بعضها فوق بعض مشدودة الى بقايا من الرمل يتفتت بين اصابع اليد الواحدة ،تابعها المواطن على المكشوف في مدينة شرقية ، وهي تغني عن كل الاسئلة العقيمة.
جدران مهددة بالسقوط في اول نشاط زلزالي لا قدر الله ، او يستند اليها المواطن ظهره فتهوى عليه بكرة وعشيا ، اليست هذه جريمة في حق الانسانية ونهب للمال العام ؟
غير بعيد عن هذه الممارسات الخداعة وبولاية داخلية أخرى عمارات سكنية من اربعة طوابق او اكثر، بنيت دون أعمدة اساس ، وسويت الطوابق فوقها ،كأننا في افلام الكرطون ، فأين مصالح المراقبة ال “سيتي سي” ، والهيئات التقنية الاخرى ، اي مخططات هندسية اعتمدتها هذه المقاولات في بناء جحيم اسمنتي بكل المواصفات ، يدفع المواطن عبرها ثمن موته نقدا ؟