انتفاضة بعض سكان ورقلة على سهرة فنية يحييها بعض المطربين الشباب في إطار صيف الجزائر ألفني هل هي دعوة لرفض الفن بذريعة توفير مناصب الشغل وتحقيق التنمية المحلية عبر ضروريات الحياة؟ أم أنّها تأتي في ظل الزّخم الذي يشهده المشهد الثقافي اليوم.
وبالتالي ليس من الأدبيات الجمع بين مطالب اجتماعية والفعل الثقافي سواء أكان حفلا فنيا، موسيقيا، أو عرضا مسرحيا، هو إضافة نوعية للفعل الثقافي، وليس انتقاصا منه.
أعتقد أنّ التحجج برفض حفل غنائي يروح عن العائلات في جوف صيف محرق بدعوى هذه الأسباب وإقامة الصلاة في مكان الاحتجاج،فإن هذه الصور تعيد إلى الأذهان السلفية الدموية التي غزت المؤسسات العمومية والفضاءات العامة، وحولتها إلى أماكن عبادة وحلقات الترغيب والترهيب، لذلك الحذر مطلوب في مثل هذه المواقف، والثقافة هي احترام الآخر والتجاوب معه، حتى وإن كان الاختلاف، فإنّه لا يفسد للود قضية.
نعم للمطالبة بأحقية المواطن في العيش، وفي توفير مناصب الشغل ترفع عنهم غبن الحياة وتمنحهم تأشيرة الولوج إلى عالم جديد، عالم يتجدد بعطاء اتهم ولكن ليس بتلك الصور التي رأيناها وتداولها نشطاء التواصل الاجتماعي، أعادت الى الاذهان تلك الاحتجاجات التي حدثت في العشرية السوداء، لذلك فالمواطن له الحق في الاستمتاع بوقته، والعائلات من حقها ايضا حضور فعاليات فنية، والحذر مطلوب من ان تتحول مثل هذه السلوكيات الى افعال تهز استقرار البلاد وتهدد امنها.
مهزلة الوجبات الزرقاء التي وفرتها إدارة مهرجان السينما العربي بوهران، للصحفيين تدخل في إطار تقزيم الفعل الثقافي وتشويه صورة الثقافة مهما كان مستوى الحدث، فالصحفي الذي يشتغل في المشهد الإعلامي هو شريك اقتصادي وسياسي وتجاري قبل أن يكون ناقلا للمعلومة يمكن أن يتحول هذا الصوت الإعلامي إلى منبر إشهاري بالمجان دون أن يدفع صاحب النشاط أي مقابل، ويصنع نجوميته أو فعله الثقافي دون عناء.
صحيح أن المؤسسات الإعلامية تكفل حق صحفييها في الأكل والإيواء،إلا أن الجهة المكلفة بالنشاط تمادت في اهانة الاعلام الثقافي بهذا الشكل دون سابق وعد، فليس المقصود هنا الوجبات المقدمة، لأن الصحفي الذي يشتغل بالقسم الثقافي ملزم بتغطية النشاط مهما كان نوعه، وعليه بتقبل كل المشاق وأشكال التعب لان الصحافة هي قبل كل شيء مهنة المتاعب، وهي أيضا «أنا نقلك سيدي وأنت اعرف قدرك».
وكنت أنتظر أن توضّح هيئة مهرجان الفيلم العربي خلفيات هذا التجاوز المهين في حق الأسرة الإعلامية المكلفة بتغطية عرس الجزائر وليس عرس وهران فحسب، لكن أعتقد أنّ السياسية الثّقافية ورثت مثل هذه الهزّات التي تسيء للثّقافة الوطنية أكثر ممّا تضيف لها.