اليوم يختلف تماما عن الأمس أو على الأقل هذا هو الانطباع الذي يتبادر إلى ذهنك وأنت ترى مجريات انعقاد قمة بوتين ـ ترامب بالعاصمة الفنلندية هيلسنكي أمس وتنقلك الذاكرة إلى قمة كلينتون ـ يلتسين قبل 21 سنة ؟ لتستنتج في الأخير أن الشيء المشترك بينهما هي فقط انعقادهما في الحقبة ما بعد السوفياتية والمكان هيلسنكي.
الرئيس الأمريكي لم يخف رغبته في التقرب من روسيا بل هيّأ كل الظروف لبناء الثقة قبل لقاء نظيره الروسي والبداية كانت بتغريدته على تويتر عشية انعقاد قمة الحلف الأطلسي ببروكسل أين وصف لقاءه مع بوتين ـ في إشارة إلى لقاء أمس ـ بأنه أسهل من اجتماعه بحلفائه ؟ وهاهو ترامب يذهب إلى أبعد من ذلك في تغريدة أخرى أمس أرجع فيها سبب توتر العلاقات بين بلاده وموسكو إلى الغباء الأمريكي في إشارة واضحة إلى مكتب التحقيقيات الفيديرالي وإلى العملية الشهيرة (ملاحقة الساحرات) التي أطلقتها الإدارة الأمريكية لاصطياد من يشتبه في انتماءاتهم الشيوعية داخل المجتمع الامريكي أيام الحرب الباردة وهي العملية التي قادها "آف .بي . آي" أنذاك وهو اتهام واضح لهذا الجهاز من قبل ترامب بأنه مازالت تسيره هواجس عفا عنها الزمن وهي التي تقف وراء الاشتباه بدعمه من روسيا في الانتخابات الرئاسية سنة 2016؟.
مشهد يظهر فيه ترامب أنه مستعد لأي شيء من أجل التقرب من بوتين ؟ فهل نحن أمام بوريس يلتسين أمريكي أم أن براغماتيه و رغبته في استغلال الفرص التي قد توفرها روسيا أسالت لعاب رجل الأعمال الأمريكي الذي يتقن لغة الحسابات والمصالح جيدا ولا يريد أن يترك الكعكة للأوربيين وحدهم وكان اتهم ألمانيا صراحة بهذا الشأن في إشارة إلى المعاملات التجارية التي تربطها مع موسكو.
الأكيد أن قمة يلتسين ـ كلينتون سنة 1997 التي كانت بمثابة تصفية تركة الاتحاد السوفياتي و فتحت الطريق أمام توسع الحلف الأطلسي وانضمام دول كانت بالأمس القريب محميات سوفيتية، فإن قمة هيلسنكي التي جاءت بعد 20 عاما ستضبط عقارب العلاقات بين روسيا والحلف الأطلسي وتعيدها إلى توافقات مؤتمر يالطا سنة 1945 الذي انتهى العمل به خلال مؤتمر مالطا سنة 1989 فهل ستعيد قمة هيلسنكي بناء ما هدم في مالطا ؟
ترامب يبدو وكأنه لا يفضل أسلوب المواجهة مع موسكو تحديدا من أجل سواد عيون أوربا، فمن وجهة نظره زمن مشروع مارشال قد ولّى وأن الوقت قد حان لكي ترد أوربا جميل واشنطن وليس من المستبعد أن يطالب حلفائه بفوائد هذا المشروع الضخم الذي أوقف أوربا على قدميها من جديد بعد الحرب العالمية الثانية.