«فتشوني وأخذوا خاتم الزواج، وألقوه في سلة القمامة مع ورقة الأمانات التي تثبت مصادرة أموال منّي أثناء اعتقالي. بعد ذلك أمروني بأن أخلع ملابسي وفتشوني عاريا، السجان الذي أجرى التفتيش كان يصفعني كلما خلعت قطعة من ملابسي.
مُنعنا من غسل ملابسنا أو استبدالها، تفشت أمراض جلديّة لدى جزء من الأسرى، بعضهم عانى أيضا من البواسير، نتيجة الإمساك الناجم عن قلّة المياه واضطرارنا لاستخدام المرحاض فقط خلال السّاعة التي توفّرت فيها المياه.
كما أن مشكلة الإمساك تفاقمت نتيجة التغذية الرّديئة نوعيّا وكميّا، مما سبّب للأسرى أمراضا معويّة”.
شهادة كهذه وغيرها، يمكن سماعها من الكثير من المعتقلين الذين مروا بتجربة الاعتقال في سجون الاحتلال. ولا بد لتجارب كهذه وأسوأ أن تترك أثرها النفسي على الأسير أثناء اعتقاله وبعد إطلاق سراحه إن حصل.
ويقوم المحقق أو السجان لكي يصل إلى هدفه سواء كان هذا الهدف، الحصول على معلومات أو تحطيم الأسير وكسر معنوياته أو حتى نشر الرعب بين باقي الأسرى، بالتحكم في حياة الأسير النفسية بتوجيه صدمات نفسية ضده مثل استعمال التهديد بالقتل بهدف توليد الرعب وتحطيم ذات الأسير وبالتالي السيطرة على جسده من خلال إهانة مهام هذا الجسد مثلا عن طريق حرمانه من الطعام والشراب والنوم والحركة والنظافة الشخصية وغيرها. والأسير في النهاية هو إنسان لديه مشاعر وقدرة على التحمل. والقدرات البشرية نسبية، فهناك من يمتلك قدرة على التحمل وآخر لا يمتلك فينهار نفسيا منذ البداية، فيحصل المحقق أو السجان على ما أراداه.
ومن هنا فإن المعاناة التي يعيشها الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال وباستيلات العذاب كبيرة وخاصة في خضم ما يحدث في غزة من إبادة جماعية وما يحدث في الضفة الغربية من تمرد على السلطة، بالإضافة إلى الأحداث السورية الأخيرة بعد سقوط النظام، وانشغال الرأي العام عما يحصل للأسرى وبالتالي انفراد العدو الفاشي النازي بهم، ينفذ مخططاته العنصرية والفظائع بحقهم، من معتقل “سدي تيمان” إلى “عوفر” وغيره من المعتقلات. واستخدام كافة وسائل التعذيب الممنهجة واتباع سياسات تعسفية غير مسبوقة.
وأقل ما يمكن وصف هذه المعتقلات بأنها مسالخ بشرية معزولة يُمارس بين جدرانها أبشع عمليات القتل والتنكيل فمن الإهمال الصحي وهو وسيلة مهمة من وسائل التعذيب، وكان من نتائجه مؤخرا أن انتشر مرض سكابيوس الجلدي “الجرب” بسبب الظروف القاسية التي يعيشها الأسرى وغياب العلاج المناسب.
إلى تجويعهم وتعريتهم واغتصاب البعض منهم حد الموت. كل ذلك بهدف ترويعهم وقتل بذرة المقاومة فيهم. ووفقا لهيئة شؤون الأسرى والمحررين حول حملات الاعتقال بحسب اعتراف الاحتلال أنه اعتقل من غزة أكثر من 4500 فلسطيني. وهذا العدد لا يشمل النساء اللواتي اعتقلن بالعشرات، عداك عمن تم اعتقالهم بالآلاف من الضفة الغربية.
وبناء على المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، أنه تلقى شهادات أسرى فلسطينيين مفرج عنهم تؤكد ارتكاب جرائم التعذيب والعنف والمعاملة اللإنسانية بحق آلاف من المدنيين على نحو منهجي. كما أوضح المرصد أن التعذيب وصل حد القتل والاغتصاب وغيره من أشكال العنف الجنسي والحقن بالإكراه بمواد مجهولة وترك ندوب وعلامات فارقة على أجساد الأسرى. وبالرغم من صمود أسرانا برغم المعاناة والقهر المتواصل وعذابات الأيام والليالي في صناديق الموت، مقابر الأحياء وبرغم نزف الأرواح ومقاريض العذاب وكأنهم يعيدون مشهد - خبيب بن عدي- وقد ناشبته الرماح من كل جانب وهو يواجه ذلك بقوله: ولست أبالي حين أقتل مسلما
على أي جنب كان في الله مصرعي، إلا أن العالم يجب أن يتنبه لهم ولا يتركهم لوحشية العدو الذي لا يبالي لأية قيم إنسانية وأخلاقية بهدف قتل الفلسطيني وانتزاع إنسانيته وتصفيته من الوجود.