بدأت مشواري التواصليّ مع أسرانا الأحرار في شهر جوان 2019 (مبادرة شخصيّة تطوعيّة، بعيداً عن أيّ أنجزة و/أو مؤسسّة)؛ وقمت مذّاك بمئات الزيارات، ودوّنت على صفحتي انطباعاتي الأوليّة بعد كلّ زيار.
أصدرت كتاباً بعنوان “يوميّات الزيارة والمزور – متنفّس عبر القضبان” تناول زياراتي لأحرارنا حتى السابع من أكتوبر 2023 وتم إشهاره يوم 18.10.2024 في معرض عمان الدولي للكتاب (دار الرعاة للدراسات والنشر وجسور ثقافيّة للنشر والتوزيع). مباشرةً بعد نشر البوست السابق في صحيفة القدس المقدسيّة بعث لي صديقي الناجي للتوّ من جوف الحوت برنقيّة كاتباً “أنت صوت الأسرى الذي لا يخبو/ صباحك حب وسعادة”.
وكتب لي مقداد (نجل الأسير عمر القواسمي): “ما شاء الله أحسنت أستاذ حسن، ضل نوفي بوعد الدبس، هلأ موسم البرد لازمها دبس وطحينيّة”، وعقّب: “الأستاذ الرائع حسن شكرًا لك ولما تقدّم لقضيّة الأسرى والأسيرات. شكرًا لوقتك ولقلمك السيّال ولنقلك صوت أهالينا الأسرى”. وعقّبت الصديقة (ريحانة الأقصى): “عزيزنا استاذ حسن، الاسرى يحبونك وكل الوطن يحبك...دمتم بخير أستاذنا”.
وعقّبت الكاتبة والإعلاميّة باسلة الصبيحي من المنافي: “كم من الفرح وكم من الألم ولكن بوجود أمثالك أيها الرجل الشهم العربي حسن عبادي ستظل قضية الأسرى على قيد الإنسانية. دمت بخير وسند بعد الله لكل حر في كل البلاد”.
سجّل عندك: ملتقيّين في المخيّم...قريباً
بعد لقائي بهيثم جابر وعمر القواسمي في سجن النقب الصحراويّ، أطل الأسير رياض سليمان زهدي مرشود (مواليد 22.10.1973؛ في الأسر منذ 23.10.2002، مخيم بلاطة)، عرّفته بنفسي وأنّني رتّبت الزيارة بناءً على طلب زوجته، وزيارتي تطوّعيّة، فابتسم وقال: “سلّملي على تيسير نصر الله” وأخبرني أنه تابع نشاطاتي في مركز يافا الثقافي / مخيّم بلاطة وعبر صديقنا إياد، زميل الزنزانة لفترة طويلة.
أوصلت له بداية رسالة زوجته وسلاماتها؛ “إيهاب وضعه منيح وبدرس ماجستير تنمية سياسة في جامعة النجاح، وأيهم قدّم دورة لقيادة الموتورسكل، وبالنسبة للبيت الصرف الصحي اشتغل والشارع كمان زفتنا بشراكة مع الجيران والطابق الأول من البيت شطبناه جاهز لإيهاب”، وسلامات الأهل. أخبرني بحالته الصحيّة، السكابيوس / الجرَب البغيض، ضارب طنابه في سجن النقب مثله مثل باقي السجون، وسبب تفشّي عدواه عن طريق القيود والكمامة (يُجبر العشرات على استعمال الكمّامة ذاتها. معقول هالحكي؟!؟).
حدّثني عن زملاء الزنزانة / القسم؛ محمد بركات، يوسف عمارنة (يعبد)، حسن شرقاوي، محمد غزاوي (طولكرم)، مصعب مطاحن (جنين)، محمد عاصي (بلاطة)، شريف أبو ليلى (أريحا)، أسامة عصيدة (تِل)، محمد جهاد، عصام زيوت (اليامون/ السيلة الحارثية) وصديقي إياد أبو خيط.
حدّثني عن التضييقات، مقارنةً عمّا مرّ به خلال سنين الأسر الطويلة، من معاملة ساديّة، اكتظاظ رهيب، مأكل وملبس، تبريد متعّمد، ومصادرة المقتنيات وإغلاق الكانتينا، ونزل الوزن 17 كيلو، والهمّة عالية. والأنكى من ذلك عزلتهم عن العالم الخارجي، لا زيارة أهالي ولا حسّ ولا خبر، ولا راديو ولا تلفزيون، ولا زيارة محامي.
طلب إيصال سلاماته للعائلة وخص بالذكر زوجته (بعتزّ فيها وفخور فيها كثير، وان شالله ببقى على الوعد والعهد وبوافيها على الجهد والوفاء، عرفت قيمة المرأة من خلالها)، وللأولاد والوالدين والإخوة والأخوات وأولادهم. حين افترقنا قال لي بعفويّة “سجّل عندك أستاذ، ملتقيّين في المخيّم… قريباً”.
لك عزيزي رياض أحلى التحيّات، الحريّة لك ولجميع رفاق دربك الأحرار على أمل لقاء قريب في فضاء الحريّة في مخيم بلاطة / تل الزعتر.
وداعاً أبو كميل
التقيت بصديقي الأسير كميل أبو حنيش عدّة مرات في سجون الاحتلال؛ وفي لقائي به يوم 15 كانون ثاني 2020 سألني عن لقائنا بعائلته في الغور؛ طلب أن أصف له البيّارات بحمضيّاتها، نبع الماء، الخضرة البلديّة وخضرة الدفيئات، طبخة أم كميل، وأحاديث أبو كميل، فلا تروح عليه شاردة أو واردة. كان أبو كميل حاضراً في كلّ اللقاءات.
تواعدنا أن نلتقي قريبًا في حيفانا التي يحبّ ومنها نعرّج معاً إلى الجفتلك والغور. قرأ على مسامعي كلمات شاعرنا الراحل سميح القاسم:
«أنا لا أحبّك يا موتُ...لكنّني لا أخافُك
وأدرك أنّ سريرك جسمي...وروحي لحافُك
وأدرك أنّي تضيق عليّ ضفافُك
أنا...لا أحبّك يا موتُ...
لكنّني لا أخافُك!”
يد الموت كانت أسرع! أتقدّم من الصديق الأسير كميل سعيد أبو حنيش وجميع إخوانه وأخواته بأصدق مشاعر التعزية والمواساة بوفاة والدهم الحاج سعيد أبو حنيش “أبو كميل”، رحمه الله وأسكنه فسيح جنانه، وأن يلهمكم جميل الصبر والسلوان، وعظم الله أجركم.
زيارة عن زيارة بتفرِق
قمت في السنوات الأخيرة بمئات الزيارات لأسرى وأسيرات في سجون الاحتلال، وكان لكلّ زيارة مذاق آخر. قمت بزيارة غير شكل، رافقني الصديق مصطفى نفاع ووصلنا قرية بيت دجن للقيام بواجب العزاء والمواساة بوفاة الحاج سعيد أبو حنيش “أبو كميل”، رحمه الله وأسكنه فسيح جنانه، وكان بانتظاري الصديق عزمي حنايشة (نسيب الأسرى، كما يحلو لي مشاكسته).
من بيت الأجر توجّهت لمنزل الحاجة أم نضال مفلح؛ والدة الأسير المحرّر نضال، والأسير الحرّ العزيز منذر (الشيبون) الذي ما زال يقبع خلف القضبان في زنازين ريمون الصحراوي. كنت قد التقيت منذر ونضال مرّات عديدة في السجون، وكان لهما نصيب في كتابي “يوميات الزيارة والمزور– متنفّس عبر القضبان”، أهديتها نسخةً منه، فتصفّحت الغلاف للبحث عن صور الغوالي، واحتضنته بدفء وهي تعانق الشيبون.
لم أعتد زيارة عائلات الأسرى والأسيرات، ولكن هذا اللقاء مدّني بالأمل، رغم الغصّة والألم، والعزيمة، وحثّني على إصراري لمتابعة مشروعي التواصلي مع الأسرى حتّى تصفير كافّة السجون.
أحلى التحيّات للعزيز منذر آملاً بحريّة قريبه له ولجميع أسرى الحريّة. أعذرني غسّان؛ والله زيارة عن زيارة بتفرق.