استعرض مدير جامعة لامين دباغين سطيف 2 الدكتور الخير قشي، الإجراءات القانونية الدولية كالاتفاقيات التي يمكن لأهل الاختصاص والباحثين الإستناد عليها في بحوثهم، لتجاوز العقبات في هذا المجال والمطالبة بمتابعة المجرمين مرتكبي مجازر الثامن ماي 1945، مطالبا مخابر البحث بإدراج ملف دراسة مجازر الثامن ماي كبحوث لطلبة الدكتوراه العام الماضي.
أوضح الدكتور الخير قشي، في مداخلة قيمة خلال منتدى جريدة «الشعب» المنظم أمس بسطيف بعنوان: «مجازر 8 ماي 1945: جريمة ضد الإنسانية.. مع سبق الإصرار والترصد»، أن الجزائر عرفت مرحلة خيم فيها سكوت مطلق عن هذه الأحداث والتي لا نقرأ عنها إلا القليل وبمصطلحات هامة، وأصبحنا نعتبرها مناسبة رسمية ونجتر سنويا نفس الأحاديث، قائلا إنه إذا اعتبرنا هذه المناسبة مرحلة انتقالية فقد طالت، رغم أنها أفرزت لنا الكثير من المصادر والوثائق، التي يمكن أن نستخدمها في بناء ملف يتعامل مع هذه المجازر، بأسلوب عملي بغية الوصول إلى نتائج عملية واقعية.
في هذا الصدد، أشار الدكتور إلى أن بناء ملف علمي رصين وهو مهمة الجامعة، والتي فضلت أن تنشئ هيئة تكلف بهذه الموضوع، وكل مجازر الاستعمار في حقّ الجزائريين، بهدف إصدار أبحاث في مستوى الأحداث التاريخية لاستخدامها من جوانبها العلمية والجوانب الأخرى، واستخدامه من طرف المسؤولين في الدولة في يوم من الأيام وكذا إتاحة الملف للمجتمع المدني والتفكير في كيفية توظيفه علميا، على حدّ قوله.
ولبلوغ هذه النتيجة قال الأستاذ قشي، أننا نحتاج إلى تجاوز الكثير من العقبات من الناحية القانونية، فحين نتحدث عن هذه المجازر والأشهر القليلة التي أعقبتها فإننا نتحدث عن فترة زمنية جرت فيها هذه الأحداث، موضحا أن نقطة البداية بالنسبة للقانونيين هو تكييف ما حدث في تلك الفترة استنادا للقواعد القانونية الدولية، السائدة في تلك الفترة أي سنة 1945، مع تحديث النظام القانوني أو الوضعية القانونية للجزائر في تلك الفترة، هل كانت دولة أو جزءا من فرنسا وان الأحداث الداخلية يمنع القانون الدولي التدخل في الشؤون الداخلية، وهل كانت الجزائرفي وضعية استعمار، ولهذا لابد من تحديد القواعد القانونية الدولية.
وهنا أشار المحاضر، إلى إشكالية تتطلّب التعامل معها استنادا للتاريخ وما بعد الأحداث من اعترافات رسمية كقانون تمجيد الاستعمار، لأن الوجود الفرنسي في الجزائر كان استعمارا، وكل الأحداث التي أعقبت مجازر الثامن ماي ينبغي استخدامها لإثبات أن الجزائر كانت إقليما محتلا، وبالتالي تحديد مسؤولية الفاعل وتكييفها قانونيا.
في هذا الشأن، أوضح أننا أمام ثلاث جرائم وفق القانون الدولي وهي جريمة الإبادة الجماعية والجريمة ضد الإنسانية ثم جرائم الحرب، متوجها للباحثين في مخبر مجازر الاستعمار بجامعة سطيف 2 ومخبر حقوق الإنسان، وكذا الأسرة الجامعية للعمل منهجيا على هذا الملف، قائلا: «من خلال المداخلات التي تمّت خلال هذا الأسبوع من الجوانب الاجتماعية والنفسية والقانونية رأينا ضرورة بناء الملف من الناحية التاريخية، وحتى الاعتبارات الاقتصادية تحتاج لدراسة في ضوء الظروف الاقتصادية المعيشية التي عاشها الجزائري الذي كان يعاني الوباء والمجاعة في 1945 في دولة كانت تشكل مخزن أوروبا».
واقترح الدكتور قشي غض النظر، عن جريمة الإبادة الجماعية لسببين أساسيين هما أن أول نصّ قانوني دولي حدّد الجرائم التي لا تتقادم، وهي اتفاقية 1862 عنوانها عدم تقادم الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب، بحيث أن ديباجة الاتفاقية تتحدث في خمس فقرات عن الجريمة ضد الإنسانية وجرائم الحرب لأنها أبشع الجرائم، لكن في المتن نجد إضافة إلى الجرائم السابقة إشارة إلى الإبادة الجماعية وجريمة التمييز العنصري.
موازاة مع ذلك، هناك اتفاقية 1973 تتعلّق بمبادئ القانون الدولي المتعلقة بالالتزامات المفروضة، على الدول للتحقيق في جريمتي ضد الإنسانية وجرائم الحرب ومتابعة المحرضين عليها ومعاقبتهم، ولا تشير للإبادة الجماعية، في حين السبب الثاني هو صعوبة إثبات أن المجازر التي تمّت، كانت بقصد إبادة الشعب الجزائري بأكمله أو جزئه.
وبالنسبة للجرائم ضد الإنسانية، قال المحاضر يعترض فريق البحث حاجز ينبغي تخطيه بإجراءات قانونية، وهو الركن الشرعي أي لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص قانوني، وهنا ينبغي إثبات وإيجاد النص في القانون يحرم الجريمة ضد الإنسانية، مشيرا إلى أن هذا المصطلح ظهر واستعمل رسميا بعد مجازر الثامن ماي أي في أوت 1945، عندما أنشئت محكمة نوربورغ والشرق الأقصى لمحاكمة كبار مجريمي الحرب العالمية الثانية، قائلا: «علينا العودة إلى محاكمة طوكيو ونوربورغ، وسنجد فيها من حوكم سنة 1946 بتهمة اقترافه لجرائم ضد الإنسانية».
بالنسبة لجرائم الحرب التي ترتكب على نطاق واسع لمخالفة القوانين، وأعراف الحرب البرية أي خلاف اتفاقية لاهاي 1907، وجنيف في 1949، هنا نجد باب القانون الدولي الإنساني بشقيه، والقوانين المتعلقة بجرائم الحرب والإنسانية، أضاف يقول، مطالبا المخبر ببناء الملف استنادا لقوانين وأعراف الحرب البرية، وحسب تحليله القانوني فإنه في هذه الحالة قد نجد بعض النصوص القانونية كالمادة 22 من اتفاقية 1907 التي تنصّ على أنه ليس للدولة الحق في استخدام السلاح، الذي تريده ولابد من استخدام أسلحة ليس لها أضرار على المدنيين والعسكريين، وكذا المادة 25 التي تتحدّث عن بعض الأفعال والالتزامات المفروضة على دولة الاحتلال في تعاملها مع ما وقع في هذا الإقليم، فهي تحرّم استخدام الغازات الخانقة والسامة مثل النابلم، ولا يجوز في كل الحالات أن تقصف مدن أو قرى أو سكنات، مهما كانت الحجة، لكن فرنسا التي صادقت على هذه الاتفاقية لم تطبقها، وارتكبت مجازر الثامن ماي عكس ذلك، وعلى المؤرخ بناء الركن المادي في هذه المسألة، مع استخدام اتفاقية 1949 لحماية المدنيين.
بالمقابل، تساءل رئيس الجامعة عن جدوى تقديم بحث علمي حقيقي أو تقديم ملف لأغراض أخرى، قائلا: «هل الطريق مفتوح لاتخاذ إجراءات قانونية لمحاكمة المجرمين، لأنه لا فائدة من الحديث عن عدم تقادم الجريمة، هل هناك طريق لاستخدام محكمة دولية؟ وهل يمكن لفئات أخرى فتح هذا الباب من خلال الاختصاص العالمي بالرجوع إلى محاكم أوروبية أو فرنسية لرفع دعاوى، وما هي الدولة التي يحتمل أن تنجح فيها القضية، لأن هناك الكثير من الدول تحاول إدخال الإعتبارات السياسية».
كان الأجدر رفع دعاوى أمام المحاكم ضد الفاعلين
وحسب الدكتور قشي، ينبغي أن نتعامل مع هذه الأمانة، بكل جدية واعتماد منهجية بالتعاون وتقسيم الأعمال بين فرق البحث على مستوى الجامعة، لانجاز بحوث منها ما يتطلّب سنة ومنها ما يتطلب انجازها سنوات حسب طبيعة كل موضوع، موضحا أن مهمة المخبر ليس تنظيم أيام دراسية والاكتفاء بذلك، بل نحتاج إلى خبرة الأساتذة لإرشاد المخبر إلى كيفية التعامل مع الأرشيف، والتعهد بوضع تحت المخبر الأرشيف الذي يملكه من وثائق عن المحاكمات غير العادلة، في حقّ المناضلين والشعب الجزائري لدراستها واستخدامها من الناحيتين التاريخية والقانونية.
ودعا رئيس جامعة سطيف 2 للشروع، في العمل الجدي وليس الوقوف على المنابر لتقديم مداخلات نظرية لا تغني ولا تسمن من جوع، موجها نداء لمختلف الباحثين في هذه الجامعة لأن باب المخبر مفتوح للجميع ويمكن اعتماد فرق أخرى، ونداء للمخابر بأن العروض التي تقدم في السنة القادمة في التاريخ والقانون لطلبة الدكتوراة أن تتناول مواضيع تتعلق بمجازر الثامن ماي 1945.
بالمقابل، أعاب الدكتور قشي عن الضحايا الذين لم يرفعوا قضايا ضد جرائم فرنسا قائلا: «كان من الأجدر رفع قضايا أمام المحاكم الجزائرية لاستصدار أحكام، ولو كانت غيابية لإدانة الفاعلين»، مشيرا إلى أنه كانت لدينا جالية بالخارج وكانت لها فرصة لرفع دعاوى قضائية في تلك الدول الأوروبية وهي كانت تسمح بذلك، على الأقل تصدر إدانات.
في هذا الجانب قال مدير الجامعة، أنه على المجتمع المدني دور في هذه القضية ـ وحسبه ـ فأحيانا تكون للمواقف السياسية بعض القيود عكس المجتمع المدني الذي يتمتّع بحرية.