في محاضرته حول موضوع «8 ماي قراءة في أسلوب مقاومة»، التي احتضنتها أمس ندوة النقاش التي نظمها منتدى يومية «الشعب» بالاشتراك مع جامعة «محمد لمين دباغين سطيف 2» حول: «مجازر 8 ماي.. جريمة ضد الإنسانية مع سبق الإصرار والترصد»، قال في مستهلها الدكتور دحو فغرور، أستاذ التاريخ المعاصر بجامعة وهران، أن ما حدث في 8 ماي 1945، لا يمكن النظر إليه على أنه حادثة عرضية بل هو نضال منذ أن وقعت أقدام المستعمر أرض الجزائر وحتى الاستقلال ـ بل والأكثر من ذلك ـ أن سكان الجزائر لهم نضال يمتد الى جذور التاريخ فقد وقفوا في وجه الرومان وغيرهم حتى تكون الكلمة العليا للشعب والكلمة السفلى للمستعمر..
وأضاف المحاضر أنه يجب اليوم ومن خلال الخيار المنهجي أن نضع الأمور في نصابها من خلال وصف ما وقع يوم 8 ماي 1945، هل هي مجازر أو انتفاضة أو أحداث؟ هنا ـ كما قال ـ يجب على المؤرخين والإعلاميين والسياسيين الاتفاق حول إعطاء الوصف الحقيقي لهذه الوقائع، كون المسألة تتعلق بالمصطلحات. وهذه الأخيرة ليست خيارا لغويا، فمن يملك إذا حق المبادرة في اختيار المصطلح؟ وأستدل الدكتور «دحو» في هذا السياق، ببيان أول نوفمبر من حيث بعض المصطلحات التي احتواها البيان كمصطلح الفدائي والمجاهد وغيره..
مؤكدا في ذات السياق، بأن التركيز يجب أن يكون على مستوى التحليل، فما نراه نحن مقاومة يراه الطرف الآخر عصيانا وهذا ما يعرف في المنهج العلمي بتضاد المصطلحات.
بالراهنية رغم مرور وقت كبير على هذه الإحداث، فالدراسات لازالت مستمرة في معالجة هذه الجرائم التي ارتكبتها فرنسا في الجزائر.
ومن الأسئلة التي مازالت تطرح حتى اليوم ـ كما أضاف المحاضرـ من بدأ الشرارة الأولى؟ هل كان فعلا من المقاومين الجزائريين؟ فهي مسألة تطرح بالنسبة للفعل ورد الفعل، حيث يتضح من سياق الأحداث أن المسيرة كانت في البداية في مدينة «سطيف» سلمية غير أنه تمّ استفزاز عناصر الكشافة الذين كانوا يحملون العلم الوطني؟ والسؤال الآخر هو هل كانت ردة فعل الطرف الآخر مناسبة أم كان رد الفعل غير متكافىء؟ أقول هذا ـ يضيف المحاضرـ أن كل القرائن والدلائل تفيد بأن الدم الذي سال في هذه الحوادث ليس أمرا جديدا على المستعمر، فهذا الأخير عودنا بسلوكه الابادي منذ بداية الاحتلال.
ويضيف الدكتور «دحو» أن العلاقة بين المستعمر والمستعمر بقيت على حالها، فبعد مرور نحو قرن على دخول الجزائر عنوة بقيت فرنسا لم تخرج من الذهنية الاستعمارية للشعب الجزائري، فرغم ما قدمه الشعب الجزائري من خدمات خلال الحربين العالميتين لفرنسا من جنود ضمن صفوفه من متطوعين وإجباريين، إضافة الى الآلاف من العمال الذين استغلتهم فرنسا في مناجم الحديد والفحم لم يشفع للجزائريين التحرّر من هذا المستعمر بل بقي الشعب ينعت دائما بـ»الانديجين»؟.
ويسترسل المحاضر، أن هذه الحقائق كان لها وقعها على نفسية الجزائريين لصدور مثل هذه الأحداث، ففرنسا كانت دائما متجبرة في أقوالها وأفعالها.. فالمكبوتات كانت إذا بمثابة الشرارة لتفجير هذا الحقد الدفين؟ وان أحداث 8 ماي هي بمثابة المتنفس الذي حدث؟.
إضافة الى هذه الأجواء المشحونة خاصة خلال الحرب العالمية الثانية وبعد الفوز على النازية التي كان لها وقعها في نفوس الشعوب التي أرادت الثورة على مستعمريها، وأيضا بعض «الكولون» أنفسهم والذين راهنوا على الورقة الألمانية ليربحوا أموالا طائلة، اتضح للجزائريين وسط هذا الجو المشحون أن العيش كما في السابق أصبح مستحيلا في ظلّ استعمار جائر.
وخلص المحاضر إلى مسألة أخرى عجلت بهذه الأحداث وهي أن المجتمع الجزائري والفرنسي لم تبق بينهما جسور فالتركيبتان الاجتماعيتان مختلفتان جعلتهما لا يستطيعان العيش معا، أضف الى هذه الأمور الانخفاض المحسوس مستوى معيشة الجزائريين، وختم الدكتور « دحو» أن الدرس الأخير المستقى من هذه المرحلة التاريخية أن كل المواطنين كان لهم دور فعّال في أحداث 8 ماي بعد أن اتضح أن بصيص الأمل لم يبق قائما للعيش مع المستعمر الاوروبي.