الرؤية الاستشرافية والخبرة أساسا بناء اقتصاد حقيقي
«لا يوجد في الجزائر أزمة اقتصادية ولا مالية، بل يوجد أزمة خزينة»، بحسب رأي فريد بن يحي، الخبير الاقتصادي، الذي أبرز أهمية الاستشراف والخبرة في بناء اقتصاد حقيقي، يتخلى كليا على الريع البترولي.
أوضح الخبير بن يحي في مداخلته، أمس، في ندوة النقاش حول «اليقظة المالية الاقتصادية» بمنتدى جريدة «الشعب»، من خلال قراءته التحليلية لقانون المالية 2018، أن الحكومة ـ بحسبه - لم تستطع الحفاظ على توازنات الخزينة، التي تعد القاطرة الأساسية لبناء هياكلها الاقتصادية، لافتا إلى أن قانون المالية 2018 «مشابه للذي سبقاه قانونا المالية 2017 و2016، يعني أنه تم انتهاج نفس السياسة، جعلت الريع البترولي أساس تمويل الخزينة».
ولفت في هذا الصدد، أن البترول لمّا ارتفع سعره إلى أزيد من 140 دولار وتجاوز حجم المداخيل 1000 مليار دولار، وجهت لإنجاز الهياكل القاعدية، لكنها «لم يبن بها اقتصاد حقيقي، لأن الجباية الموجودة الآن هي الجباية البترولية».
ارتفاع نسبة الجباية البترولية مقارنة بسعر الدينار
وبحسب تحليله، فإنه عند انخفاض سعر البترول إلى أقل من 40 دولارا، لجأت الدولة إلى تخفيض قيمة الدينار لضمان رفع تمويل الخزينة، وفسر الأمر بالقول «عندما نقول إن نسبة الجباية البترولية التي ارتفعت إلى 43٪، أرى أنها لم ترتفع مقارنة بسعر البترول، بل مقارنة بسعر الدينار، حتى يتم الحفاظ على توازنات الخزينة».
وأضاف في سياق ذي صلة، أن الصادرات خارج نطاق النفط لا تتعدى 3٪، «ولما ننزع البترول والغاز من الصادرات ونحسب الناتج الإجمالي المحلي، نجد أن المواطن الجزائري لديه دخل لا يتجاوز 500 دولار سنويا؛ بمعنى أنه لولا الموارد النفطية لكانت الجزائر من بين الدول الفقيرة في العالم».
تأهيل العنصر البشري من خلال الامتياز العلمي
يرى الخبير بن يحي، أن هناك أزمتان كبيرتان في الجزائر، تتمثل الأولى في غياب الرؤية الاستشرافية والإستراتيجية، بالإضافة إلى غياب الخبرة، نتيجة عدم المحافظة على الامتياز العلمي، ويرى أنه من الضروري أن تفكر الحكومة من الآن في تأهيل العنصر البشري من خلال الامتياز العلمي.
وأكد في هذا الصدد، أنه يوجد في الجزائر «مادة رمادية تبرز عندما يتغير محيطها»، وهي موجودة في كبريات دول العالم، على غرار الولايات المتحدة الأمريكية، كندا واليابان، هذه الأخيرة التي لا توجد الجامعات الجزائرية ضمن تصنيفها، وبالتالي لابد من التفكير الجدي في استغلال الطاقات والكفاءات العلمية التي تتخرج سنويا من مختلف جامعات الوطن، مشيرا «هناك أزمة تسيير».
20 مليار دولار للتحويلات الاجتماعية... رقم كبير لابد من إعادة النظر فيه
النقطة الأخرى الهامة في قانون المالية التي آثارها المتحدث، تتمثل في التحديات الاجتماعية وهي موجودة في كل دول العالم بما فيها المتقدمة، والجزائر تواجه نفس التحديات، غير أن رصد أكثر من 20 مليار دولار للتحويلات الاجتماعية «رقم كبير»، لابد من إعادة النظر في الفئة الاجتماعية المستحقة فعلا لهذا الدعم، وتحويله إلى أمور أخرى، من خلال دعم الرواتب وتغيير نمط استهلاك الأسر وكذا مراجعة مسألة دعم السكنات.
كما يرى بن يحي، ضرورة استحداث وزارة اقتصاد، ووزارة منتدبة مكلفة بالجباية ووزارة أخرى منتدبة مكلفة بمسح الأراضي، للإحاطة بإشكالية العقار الذي مايزال عائقا يواجه المشاريع الاستثمارية، ودعا لفتح المجال للقطاع الخاص، وعدم اعتباره خصما أو عدو ا»لأنه يمكن أن يساهم في الجباية بنسبة 60٪».