القيم الإنسانية.. هي آخر جدار يجمع البشرية في وجه الجشع والظلم والإمبريالية.. كثيرة هي القيم التي يتقاسمها البشر بمختلف مشاربهم وألوانهم: الحياة، الحب، الأمل.. والحرية. هذه الأخيرة هي ما جعلت «روفيلم» السويدية تقف إلى جانب «إكيب ميديا» الصحراوية، لينتجا معا الفيلم القصير «3 كاميرات مسروقة»، حتى يرى العالم كيف تصادر العدسات ولا تصادر الأحلام والآمال.. هو على الأقل ما لمسناه في حديث آنا كلارا أوريان، ومامين محمد فاضل هاشمي، الذين باعدت بينهما الجغرافيا، وقرّبت بينهما القيم الإنسانية.
الفنانة والناشطة السويدية آنا كلارا أوريان، عضو «روفيلم» التي تأسست بمالمو وستوكهولم وتضم حوالي 20 عضوا. تقوم «روفيلم» بالأساس بإنجاز أفلام وثائقية، ولكنها تنتج أيضا أفلاما روائية وتحريكية، والهدف هو التغيير الاجتماعي باستعمال الأفلام، ومعالجة قضايا العدالة الاجتماعية ومسائل التنوع.
قبل 4 سنوات، اتصلت شبكة سويدية لدعم الشعب الصحراوي بفريق «روفيلم» من أجل تقديم تدريب للفريق الإعلامي الصحراوي «إكيب ميديا»: «كان من المفترض أن ننتقل إلى الأراضي المحتلة لتدريب الفريق، ولكن ارتأينا أنه من الأفضل أن نستقبلهم في السويد ونقوم بتدريبهم في مكاتبنا.. كان الهدف الاشتغال على عمل مصور يمكن أن يوصل القضية الصحراوية لجمهور أكبر، خاصة وأن حيثيات هذه القضية تبقى مجهولة لدى كثيرين بسبب التعتيم الإعلامي المفروض عليها»، تقول آنا كلارا.
نضال.. بأيدٍ عارية
مامين محمد فاضل هاشمي مواطن صحراوي من العيون المحتلة، ينتمي إلى فريق شاب «إكيب ميديا» يعمل داخل الأرض المحتلة، تأسس سنة 2009 لمحاولة كسر الحصار الإعلامي، ولديه مادة خام تصل إلى 2300 فيديو على قناة اليوتيوب (منذ 2011)، والمادة المخزنة تصل إلى 25 تيرا بايت (25 ألف جيغا) من المادة المصورة. شاهد الفريق السويدي كمّ الفيديوهات في اليوتيوب، وفكر في إنتاج الفيلم، خاصة بعد سرقة الكاميرات الثلاثة «التي صارت 5 كاميرات إلى حد الآن»، يقول مامين.
ويواصل المناضل الصحراوي الشاب وصفه الخناق المضيّق على أبناء الأراضي المحتلة، قائلا إن الكاميرات التي يستعملونها للتصوير هي هبات من المساندين الأجانب خصوصا الأوروبيين، وحينما تمت مصادرة «الكاميرات الثلاثة»، «تعرفنا عليها وهي بين يدي عناصر الأمن المخزني وهم يستعملونها لتصوير النشطاء الصحراويين في المظاهرات».. لقد كانت الكاميرا بنفس العيوب والخدوش، وتحولت إلى رمز لكسر التعتيم المفروض على القضية: «كنا نصورهم لفضح تجاوزاتهم وقمعهم، فصاروا يصوروننا بنفس الآلات للتعرف على النشطاء ومراقبتهم»، يضيف مامين.
تبلورت فكرة سيناريو الفيلم القصير بشكل جماعي، لتصوير طريقة عمل الفريق الإعلامي الصحراوي «الهاوي» الذي لم يحصل على أي تكوين، قال مامين، فقاطعته كلارا: «حينما التقينا للمرة الأولى كان من المفترض بنا أن نقدم لكم نصائح تقنية، ولكن بالنسبة لنا لم يكن بإمكاننا تقديم أي نصيحة لكم لأننا لا نصور في هذه الظروف الصعبة على غراركم.. كل الصور ملتقطة بطريقة سرية من سطوح المباني وباستعمال التكبير (الزوم)، أما في السويد فلسنا مضطرين للتصوير خفية، لذل فأنتم محترفون فيما تقومون به».
آنا كلارا اعتنقت القضية الصحراوية لأنها ترى فيها قضية عادلة، وتؤكد أنها مقتنعة بذلك، على الرغم من أن ما يكتب عنها في بلادها السويد هو قليل وشحيح جدا، ولم تكن قد قرأت من قبل سوى مقالا صغيرا في مجلة عن «أكديم إزيك»، ولم تكن تعرف حينها ما يعني ذلك. «من المهم جدا بالنسبة لنا أن ندفع بالقضية الصحراوية قُدُما للتعريف بها ولكي يتمكن الصحراويون من العيش بحرية وكرامة في إطار حقوق الإنسان»، تؤكد الفنانة السويدية. من أجل ذلك يأتي السعي إلى عرض هذا الفيلم القصير أمام أوسع جمهور عالمي ممكن، كما أن «التنسيق مع الصوت الصحراوي لن يتوقف، في سبيل إنتاج أفلام مماثلة، قصد دفع السياسيين السويديين إلى الاعتراف بالجمهورية الصحراوية»، تضيف آنا كلارا.
قبل عرضه في إطار مهرجان الجزائر الدولي للسينما ــ أيام الفيلم الملتزم، لم يُعرض هذا الفيلم القصير إلا بمهرجان «دوك لايبزيغ» بألمانيا هذه السنة: «لقد أثار الفيلم الكثير من الأسئلة، حول نزاع لا يحظى بتغطية إعلامية واسعة»، تؤكد آنا كلارا في حديثها عن الانطباع الذي تركه الفيلم بعد عرضه على الجمهور الأوروبي.
وقبل ذلك بشهر، كان من المنتظر عرضه بمهرجان بيروت الدولي للفيلم، ولكن تم منعه في آخر لحظة. لماذا؟ يبدو أن الضغط المغربي آتى أكله، خاصة وأن الفيلم مُنع بدون تقديم أي سبب، ولكن ذلك أدى إلى حملة تضامن، حيث قام 20 مهرجانا بالتوقيع على عريضة مساندة.. ما قد يعني أن هذه المهرجانات العشرين قد تستضيف «3 كاميرات مسروقة».
تعتيم.. وجنون
في قلب العولمة والعصر الرقمي الذي يشهد طفرة في استعمال تكنولوجيات الاتصال الحديثة، لا يجد الناشطون الصحراويون في الداخل سوى ما يقدّم لهم من هبات لتصوير وتوثيق الخروق المغربية: «من الصعب جدا، حتى لا نقول من المستحيل، تمرير كاميرات مخفية صغيرة عبر المطارات، كما أن استعمال الهواتف النقالة بالقرب من المظاهرات يعرض صاحبها دائما إلى التفتيش ومراقبة ما إذا كانت الهواتف قد استعملت للتصوير»، يؤكد مامين، واصفا بيئة تميزها شرطة بالزي المدني تفوق بكثير أعداد حاملي الزي النظامي، كما تتم مراقبة الأسطح من أسطح أعلى، فأجهزة الأمن تدرك أن النشطاء الصحراويين يستعملونها للتصوير.
سألت آنا كلارا: «أليس من الجنون أن يفرض نظام ما كل هذا التعتيم الإعلامي في عصر يميزه تدفق واسع للمعلومات ما يجعل عملية التعتيم شبه مستحيلة ويائسة؟» فأجابت: «أعتقد أن الجنون هو أن تحتلّ الآخرين وتقمعهم»، مشيرة إلى أن محاولات التعتيم تجاوزت الإقليم المغربي، بدليل منع الفيلم في مهرجان بيروت: «حينما تكون هنالك رقابة شديدة على الإعلام، فهذا بالنسبة لي دليل على أن المجتمع مريض».
وتواصل آنا كلارا تصحيحها لبعض المعلومات المغرضة، كتلك القائلة بوجود صحراويين محتجزين بمخيمات اللاجئين بتندوف الجزائرية: «ما رأيته خلال زيارتي للمخيمات هو أناس أحرار.. هم على الأقل أحرار في التكلم بالحسانية والنطق بعبارة «الصحراء الغربية».
يميّز الناشط الصحراوي الشاب جيدا بين النظام المغربي وبين «الشعب المغرب الشقيق والجار» كما يقول مامين، فهذا الشعب حسبه ضحية تعتيم إعلامي هو الآخر، وهذا لم يمنع الكثير من المغربيين من التعاطف مع القضية الصحراوية. ويبقى مامين متفائلا، خاصة حينما يرى ملك المغرب واقفا جنبا إلى جنب مع الرئيس الصحراوي في مؤتمر أبيدجان الأخير. ونقل مامين امتنان الشعب الصحراوي للجزائر، لوقوفها مع قضيته العادلة ومع كل القضايا الأخرى وعلى رأسها القضية الفلسطينية.. أما آنا كلارا فوصفت الجزائر بأنها «استثناء»، لجمعها بين مساندة القضيتين.. في آخر اللقاء، رأينا الفنانة والناشطة السويدية الأوروبية تدعو العرب إلى مزيد من المساندة لنضال الشعب الصحراوي.. فهل من مجيب؟