اللواء عبد العزيــز مجاهـد والخـبير نورالديـن أمير:

نحـو نهايـة هيمنــة المنتصريــن في الحـرب العالميــة الثانية

فتيحة كلواز

 فرنســا مــــارست تعتيمـــا إعلاميــا ممنهجــا في مــالي 

غلـق دول غـرب إفريقيــا حـدودها خــرق للقانــون الـــدولي

كشف المدير العام للمعهد الوطني للدراسات الإستراتيجية اللواء المتقاعد عبد العزيز مجاهد، أن الأحداث التي تعيشها مالي ودول الساحل، لعبة قذرة تقودها فرنسا من أجل تعزيز تواجدها في إفريقيا، من خلال تعتيم إعلامي ممنهج لحقيقة الوضع داخلها، حيث سوقت صورة “فرنسا” المنقذة، بالرغم من أنها مغايرة تماما للحقيقة.
وأكد أن إفريقيا اليوم، في سياق تشكل نظام عالمي جديد، تنتفض ضد كل طامع قي ثرواتها وموقعها الاستراتيجي، بعد أن أصبحت مسرحا لصراعات الدول العظمى حول السيطرة والهيمنة.

في تدخله في ندوة النقاش “الوضع في مالي والساحل”، أمس، نظمها منتدى مركز “الشعب” للدراسات والبحوث، بالتعاون مع المعهد الوطني للدراسات الإستراتيجية، استهل المدير العام للمعهد الوطني للدراسات الإستراتيجية اللواء المتقاعد عبد العزيز مجاهد في تشريحه لما تعرفه منطقة الساحل من تطورات، بالحديث عن التطورات التي تعيشها القارة العجوز بعد العملية العسكرية الخاصة لروسيا في أوكرانيا، حيث أوضح أن العالم اليوم يعيش في عالمين؛ الأول حقيقي. والثاني خيالي. وضعت تفاصيلهما القوى العظمى في الحرب العالمية الثانية في 1945.

نظام جديد يتشكل
أكد ضيف منتدى “الشعب” تغير العالم وهو ما جعل الرئيس الراحل هواري بومدين يثير انتباه العالم في 1974 إلى ضرورة تغيير النظام العالمي، حيث قال: “علينا تغيير هذا النظام الذي لا يعطي الحق بعدالة لكل الشعوب بعدالة”. فالنظام الموجود الى غاية اليوم، صنعته الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية، بالرغم من أن أغلب الدول الموجودة اليوم لم يكن لها وجود ولم تكن عضوا في الأمم المتحدة، ولم تشارك ولم تساهم في بناء هذا النظام.
وهو نفس ما دعا إليه ممثل الصين في مجموعة السبع صيف 2021، حيث قال في تصريح قوي مفاده، أن عهد القوى العظمى قد ولّى وانتهى، لأننا بصدد بناء نظام عالمي جديد، كل دولة فيه، مهما كان حجمها ووزنها، لها الحق في إبداء رأيها في شكل رسم النظام الدولي الجديد، وهو ما نعيشه لكن دون أن نشعر به. ما حدث في أوكرانيا أخفت منه الأمبريالية العالمية جزءا كبيرا من الحقيقة.
فقد أبرزت الجزء المتعلق بالعملية العسكرية الخاصة لروسيا في أوكرانيا، وأخفت أن الغرب لم يف بعهوده التي قطعها في 1991 بعدم تمدد الحلف الأطلسي داخل الدول التي كانت سابقا جزءاً من الاتحاد السوفيتي، ولم يبرز أيضا ما جاء في اتفاق مينسك في 2014 المتضمن لـ11 بندا، طبق منها 3 بنود هي في صالح أوكرانيا، أما 8 الباقية لم تطبق، لأنها كانت أكثر عدالة وأكثر تصحيحا للأوضاع الخاطئة في تلك المنطقة، مؤكدا أن روسيا سعت طوال 8 سنوات السابقة، بالحوار وباستخدام وسائلها الدبلوماسية والسياسية، لتذكير أطراف الاتفاق بعدم تطبيق كل بنوده، بل وجدت تعتيما إعلاميا.
في شرحه لما يحدث في أوكرانيا، استشهد مجاهد بكتاب نعوم تشومسكي، الذي حدد 10 استراتيجيات للتأثير على الجماهير، من بينها اثنتان مهمتان: إستراتيجية الإلهاء واستراتيجية التسبب في الإشكالية؛ بمعنى التسبب في الأزمة، ثم حلها، ليظهر في صورة المصلح، وهو ما قامت به الدول العظمى في عدة دول، منها الفيتنام التي اتهمت بهجوم على سفينة أمريكية، والعراق من خلال اتهام صدام بامتلاك أسلحة الدمار الشامل، لذلك كان من الضروري، بحسبه، الحذر كإعلام الى مصدر المعلومة ومدى مصداقيتها وما هي مصلحة الأطراف المروجة لها، ما هو الهدف من وراء ترويجها لها.

إفريقيا... القارة الكنز
في حديثه عن الساحل وما تعرفه من أحداث، قال المتحدث إنه لمعرفة جوهر الإشكال يجب أن ننظر الى إفريقيا كما يجب وكما تستحق أن ننظر إليها. فإفريقيا تتوسط العالم، تحتل موقعا استراتيجيا، بالنظر الى موقعها والبحور التي تطل عليها والممرات التي تتحكم فيها إفريقيا.
وإذا أخذنا حركة النقل البحري أو البري ـ بحسبه ـ بعين الاعتبار، نجد أن أكثر من 70٪ من إمدادات العالم تمر عبر إفريقيا. بالإضافة إلى موقعها الاستراتيجي، تتميز هذه القارة بكونها تنام على ثروات كبيرة، فهي غنية بكل الثروات النادرة والإستراتيجية، كالطاقة والمناجم والمعادن النادرة، بل فيها أكبر عدد من الأراضي الصالحة للزراعة في العالم.
إلى جانب أنها كانت على هامش الصراعات في العالم، حيث كانت في أوروبا، ثم انتقلت إلى آسيا، لتتحول إفريقيا اليوم الى مسرح للصراعات بين القوى الكبرى كلها. فقد توصل أحد البحوث إلى وجود 12 دولة تتصارع على إفريقيا، منها دول ذات قوة كبرى، متوسطة وقوى الناشئة.
في تطرقه إلى الوضع في مالي والساحل، عاد مجاهد إلى الإعلام وكيف يقدم للجماهير أولا كذبا وافتراء من طرف فرنسا الرسمية، حيث يسوق وزير خارجيتها بأن تدخل فرنسا في دولة مالي جاء بعد طلب منها، لكنه لم يقدم تفاصيل هذا الطلب، لأنها لم تطلب التدخل الفرنسي، بل المساعدة الفرنسية من جانب الاستخبارات والمعلومات ودعما أو سندا جويا.
كما أنها لم تطلب أبدا تدخلا بريا للجنود الفرنسيين على الأراضي المالية، لأن الماليين الأحرار يعرفون جيدا المخططات الفرنسية السابقة تجاه دولتهم، لذلك كانوا متخوفين من التواجد الفرنسي على الأراضي المالية.
وأكد المدير العام للمعهد الوطني للدراسات الإستراتيجية، أن الهجوم على مالي كان بإيعاز من فرنسا الرسمية، خاصة ساركوزي، وبتوجيه من السلطات الفرنسية، حتى أن بعض المسؤولين الفرنسيين، مثل سفير فرنسا في مالي سنة 2013، انتقد موقف السلطات المالية الموالي لفرنسا، ما أدى إلى استبداله وتعيين سفير ينتمي للمخابرات ويتعامل مع الإرهابيين ويوجههم بعد إحضارهم من ليبيا. في نفس الوقت تم إقصاء المسؤول المكلف بإفريقيا والشرق الأوسط على مستوى وزارة الخارجية لفرنسية في تلك الفترة.

طلقة الرحمة
قال مجاهد، إن وجود هذه التيارات جعل البعض في مالي يقولون إن فرنسا يمثلها “E” الثلاثة: الأول إيليزي، قيادة الأركان، والمؤسسة، هم الثلاثة الذين يصنعون القرار الفرنسي في الساحل ومالي، متأسفا لعدم استخلاص النظام العالمي القديم الدروس من التاريخ وتجارب تلك الدول، فكل التدخلات العسكرية، منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، لم تنجح، بل فشلت في حل مشاكل سياسية. وباعتبار أن الأزمة في مالي مرتبطة بمشكل سياسي، اجتماعي، ثقافي وديني، فلن يستطيع التدخل العسكري حلها.
من جهة ثانية، قال ضيف منتدى “الشعب”، إن أحدهم تساءل: كيف للسلطات الفرنسية أن تساعد الإرهاب في ليبيا وتحاربه في مالي، إنه لأمر غير معقول. مؤكدا في سياق ذي صلة، أن الإرهاب في القرن 21 بمثابة أداة استراتيجية للدول العظمى لخدمة مصالحها، حتى تدخل الدول بطريقة غير مباشرة عن طريق الإرهاب، وهو ما يعيدنا إلى استراتيجية تشومسكي.
في نفس الوقت أكد المتحدث أن كل ما يحدث في الساحل يعكس تناسي القوى العظمى لحقيقة وجود فاعلين جدد في العالم الجديد، هو الشعب الواعي الذي ارتقى الى مستوى تحليل الأوضاع واتخاذ المواقف المناسبة. ففي مالي، بوركينافاسو وغينيا يعيبون عليها الانقلابات العسكرية، لكنهم يتجاهلون أسبابها، لأن الانقلاب الأول في مالي جاء بعد ضغط جماهيري كبير، بسبب فشل الحكومة في سياسة مكافحة الإرهاب، ما يعني فشلها في ضمان الاستقرار والأمن للشعب، أي أن العسكريين استجابوا لمطالب الشعب في المرة الأولى والثانية.
وحتى نفهم إشكالية الغرب، بحسبه، خاصة فرنسا التي تحمس وزير خارجيتها ووزير الدفاع طوال السنوات الخمس الماضية، يجب أن نعرف دوره في التسبب في مشكلة مالي وكيف علينا الانتباه لحساسية هذا الموضوع. فالسلطات المالية اليوم تمارس عليها ضغوطات غير قانونية، بسبب قرار دول غرب إفريقيا المجاورة لها، غلق حدودها معها لخنقها بسبب الضغوطات الفرنسية، لأنه إجراء مخالف للقانون الدولي الذي يمنع غلق الحدود على دولة لا تملك منفذا على البحر.
وفي حوصلة حول مكافحة الإرهاب في مالي، أكد مجاهد أنه منذ استرجاع السيادة الوطنية إلى اليوم، المناطق التي تم تحريرها من طرف القوات المالية أكبر بكثير من عدد المناطق التي حررتها القوات الفرنسية منذ تواجدها في هذا البلد.
أما فيما يتعلق بفرنسا، قال اللواء المتقاعد إن الأفارقة أطلقوا عليها طلقة الرحمة، لذلك ما يستدعي من العالم مراجعة دروسه وموقفه تجاه حلم الماضي الذي عززه خطاب لفيكتور هيغو في 1879 قال فيه: “الرب وهب إفريقيا للأوروبيين”. في المقابل قال الفيلسوف القديم الجديد دوبريه: “نزعوا قبعة الاستعمار لكن الرأس لم يتغير”.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19626

العدد 19626

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19625

العدد 19625

الإثنين 18 نوفمبر 2024