مشروح حضاري يناسب مواطن القرن 21

خطـاب واقعـي تجاه الشبـاب لإقناعه بالتغيير السياســي

فنيدس بن بلة

 التوافق الخيار الحتمي لوطن يبنيه الجميع

أعطى البروفيسور شمس الدين شيتور، رأيه فيما تعرفه البلاد من حراك سلمي أدهش العالم كله، كاشفا عن الصورة الحقيقية للجزائريين التواقين للسلم الغيورين على استقلالية القرار السياسي والسيادة المتطلعين للتطور والرقي.
ذكّر شيتور في قراءة تحليلية للواقع المتغير والمطالب المرفوعة من أجل التغيير السياسي العميق والإصلاحات الجذرية في أجهزة الحكم والتداول على السلطة، بضرورة التحلي بالواقعية وبعد النظر وعدم الانسياق وراء الغضب المفرط والتمادي في الشروط التعجيزية التي تنم عن حقد وأفكار مسبقة من شأنها أن تدخل البلاد في دوامة العنف وتقود إلى تداعيات تضرب الاستقرار الذي تحقق بشقّ الأنفس والتضحيات في العمق.
وتوقف البروفيسور مطولا عند الحراك الشعبي الذي طغى على المشهد السياسي وفرض منطقه وقوته منذ أزيد من شهر، قائلا إنه آن الأوان لبروز حلول سياسية توافقية تمتص غضب مختلف الفئات العمرية الهاتفة بأعلى الصوت من أجل إقامة نظام سياسي جديد تسيّره شخصيات لها غيرتها ونظافتها، يأخذ في الاعتبار متغيرات الظرف ومتطلبات الحاضر والمستقبل. نظام يؤسس لمشروع وطني نهضوي يرسم معالم مخططات إنمائية وفق الإمكانيات المتاحة ويوظف الكفاءات البشرية ويمنحها مناصب الإدارة والقيادة بعيدا عن الشرعية الثورية.
لكن حسب شيتور لابد من وقفة تقييم للحراك وإطلاع المتظاهرين على حقائق الأشياء ورهانات الآتي وتعقيداته التي تستدعي معالجتها بروح الواقعية والمنطق مع كثير من التأني دون السقوط في الآمال المفرطة والأحلام الوردية.
هذه الواقعية باتت ضرورية في مخاطبة الأطراف الفاعلة في الحراك الشعبي، قواه وأطرافه بلغة العقل لا العاطفة لإظهار ما للبلاد من قوة وقدرات. وما هي مقبلة عليه في السنوات والعقود القليلة. هذه الواقعية تفرض أن يتحلى بها خطاب آخر يكشف للشباب وللملأ كيف السبيل للتوافق والرؤى التي تكون القاسم المشترك لمختلف الأطياف وأرضية الانطلاق في خارطة سياسية تخرج البلاد من تجاذبات مفتوحة تغذي التشنج، وتولد الأحقاد والكراهية وتزيد في تكريس التطرف الذي عملت البلاد المستحيل من أجل تجاوزه بتدابير السلم والمصالحة. وهي ترفض أية مغامرة أخرى وسوء تقدير للعودة إلى حقبة العشرية السوداء.
على الشباب أن يعرف ماهية المستقبل الذي ينشده، وما يتوجب التحضير له في زمن الثورة التكنولوجية والاقتصاد الذكي، والاتصالات الافتراضية التي كسرت الحواجز وقربت المسافات وفرضت أدوات تأثير خارقة للعادة لم تعد تكتفي بتسريب المعلومة من أي موقع وفي زمن قياسي بل تقوم بتوجيه الرأي العام وصنعه.
حروب تخاض من مواقع قريبة وبعيدة يجهل محركوها ومعارك بالوكالة أبطالها طائرات بلا طيار «درون» وروبوهات باتت تهديدا حقيقيا لأمن الدول فرضت تعريفا آخر للدولة الوطنية ودورها في تأمين الأفراد والممتلكات وتوسيع الديمقراطية التشاركية التي يكون للمواطن فيها مكانه وموقعه وتأخذ في الحسبان المجتمع المدني الطرف الثالث في المعادلة الوطنية إلى جانب الأحزاب ومؤسسات الدولة. معنى هذا أن الدولة باتت في ظل الخارطة السياسية المتشكلة تتنازل عن بعض أدوارها لهذه الهيئات ولم تعد تحتكر كل شيء.
تحدي القرن 21 الذي يكشف عن متغيرات جذرية في دور الدولة الوطنية ووظائفها في ظل الثورة الرقمية لعالم الأنترنت والتكنولوجيات الحديثة التي أظهرت قوتها الخارقة في الحراك، تفرض على الدولة اعتماد آليات ديمقراطية في التعامل مع المحيط عبر خطاب أكثر مرونة وتفاعلا يحمل درجة عالية في الإقناع لإطلاع الآخر المنتقد المنتفض على تعقيدات تتطلب الفهم. وتظهر جدوى المشاريع التي تؤسس لجبهة داخلية قوية وتماسك اجتماعي غير قابل للاختراق من حملات توجه عن بعد من قبل من يحملون عداوة لضرب الاستقرار أو تعديل مسار البلد ومحاصرته في صراع بين الذات وشبكات التواصل.
إنه الصراع المحتدم الذي يحرك من آلاف الأميال من عدو دون رؤيته يتحكم بدهاء في تكنولوجيات حولت الحروب حول دول إلى حروب داخل الدولة الوطنية الواحدة تكشف عنها حالات عديدة في الرقعة الجيو سياسية العربية بالخصوص.
هذا الصراع هو الذي يستدعي وضعه في الحسبان والتحضير له من قبل جزائر مجبرة على خارطة طريق تعزّز مكانتها في خارطة المتغيرات بمشروع حضاري مؤمن لبناء اقتصاد المعرفة والذكاء الصناعي الذي تؤسسه منظومة تربوية كفؤة تخرج نخبة مؤهلة للتسيير والإدارة والقيادة في حكومة مفتوحة، توظف أقصى درجة الابتكار الإنساني دون التمادي في التبعية المفرطة للمحروقات.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19626

العدد 19626

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19625

العدد 19625

الإثنين 18 نوفمبر 2024