منذ أن تولى الرئيس الراحل هواري بومدين مقاليد السلطة في ١٩ جوان ١٩٦٥، إثر ماأسماه آنذاك بالتصحيح الثوري حدد بدقة الأولويات المتبعة من تلك اللحظة فصاعدا مدرجا الملف الاقتصادي ضمن مسار حكمه بعد معاينته للمخلفات الاستعمارية وتداعياتها على الوضعية الاجتماعية للشعب الجزائري.
وهكذا بدأت المسيرة الكبرى لهذا الوطن شعارها التأمينات، الثورات ٣ من منتصف الستينات إلى غاية السبعينات وهذا مايعرف بأوج هذه المرحلة الحيوية في النظام الجزائري في تلك الفترة الراقية، ففي فترة وجيزة جدا وقياسية أصبح هذا البلد في مقام البعض من الدول الأوروبية المتقدمة اليوم كإسبانيا في مؤشرات النمو. كل هذا العمل المنجز لم ينس الرئيس بومدين الالتفات إلى الشق السياسي في منتصف السبعينات عندما طرح مشروع الميثاق الوطني على الشعب الجزائري لمناقشته وإثرائه ليكون وثيقة مرجعية فكرية للآفاق القادمة ونقصد هنا الأرضية الايديولوجية في توجهاته المرحلية. واعتبر السيد محمد كشود أن خلفيات عرض الميثاق الوطني على الجزائريين هو السعي للخروج من الشرعية الثورية إلى الشرعية الدستورية، وكان الراحل يرى أن أي مسعى سياسي يتطلب إجماعا وطنيا والتفافا شعبيا عبارة عن عقد اجتماعي كما قام جان جاك روسو، وهو بمثابة تفاهمات ضمنية مابين أبناء الشعب الواحد بخصوص العناوين الكبرى. وما تضمنه مشروع الميثاق الوطني هومنظومة من الاقتراحات المختلفة حول كل القطاعات الأساسية في البلاد صادرة عن المواطنين الذين شاركوا في النقاشات العامة أعيد صياغته مرة ثانية للمصادقة عليه نهائيا واعتبر لدى صانع القرار آنذاك بأنه سيكون مصدرا لتدوين دستور ١٩٧٦ الذي وصفه البعض بالدستور ـ البرنامج..رغم أنه يترجم مرحلة هامة في بناء الوطن لأن الخيار آنذاك كان اشتراكيا ولا يمكن تصور آخر ماعدا ماتم الالتزام به. ويرى الكثير من المتتبعين أن قرار مناقشة الميثاق الوطني أفرز لأول مرة مايوصف بالرأي العام الوطني الذي لم يكن موجودا من قبل بشكل مباشر ليعبر عما يختلج في صدره. وكل هذا مهد فيما بعد للانفتاح الديمقراطي عقب وفاة بومدين لأن الأرضية كانت جاهزة من الناحية العملية وكان الراحل ينوي دخول هذا المعترك السياسي إن آجلا أم عاجلا، لكن الموت غيبه ولم تفتح هذه الصفحة في عهده. وعن علاقته بالمعارضة قال كشود لم تكن آنذاك معارضة بأتم معنى الكلمة وكان الرئيس يعرف كيف يدير خيوطها أو ترويضها في الوقت المناسب وماقام به الطاهر الزبيري لم يكن لإغتيال بومدين وإنما تبليغه رسالة مفادها عدم تكرار أخطاء أحمد بن بلة في الانفراد بالحكم بالرغم من ذلك لم يحمل الحقد ضد أي كان وجاءت الفرصة التي عفا فيها عن الجميع.