هو رجل اختزل العالم في وطن و رأى الدنيا بعيون جزائرية أصيلة فأينما نظر وجد حلما أو أملا يبني جزائر «الشهداء»، نظراته الحادة رسّخت داخل كل من رآه شخصية قوية صارمة، الخطأ معها ممنوع، ولكن وراء تلك الصرامة يختفي إنسان حمل على عاتقه مهمة مجتمع كان كل فرد منه اهتمامه الخاص، هو الراحل هواري بومدين الإنسان كما لم نعرفه من قبل.
في ذكرى وفاته الأربعين سنتحدث عن رجل كما لم يعرفه الكثير من الناس فالغالب في ذكر مناقبه أنه رجل صلب صلابة الصخور التي نحتتها أقدام المجاهدين في أعالي الجبال الوعرة من أجل تحقيق حلم الحرية، ولكن وراء تلك الصورة وجد و ما زال الإنسان الذي يتمتع بإحساس كبير وحس إنساني متدفق و لعله السبب وراء بحثه المتواصل عن منح المجتمع كل دعائم الحياة الكريمة.
هواري بومدين الإنسان صورة لرجل صنع مجد أمة بمعادلة الإنسان والإرادة في اتحاد غريب نادرا ما يتكرر على صفحات التاريخ، رجل قال عنه محمد كشود الذي نزل ضيفا على «الشعب» إنه رغم شكله الذي تطغى عليه الهيبة والصرامة إلا أنه يتمتع بإنسانية كبيرة نادرا ما يتحدث عنها المهتمون بشخصيته التي غالبا ما تقسم بين السياسي والعسكري، مذكرا بحادثة بكائه في خطاب ألقاه عند حديثه عن الشهداء وتضحياتهم من أجل الجزائر خاصة وأنه تربى وسط عائلة فقيرة ارتبطت لسنوات طويلة بالأرض التي لا تبخل عن خادمها بشئ. قال الوزير السابق إن بعض المواقف التي عاشها مع الرئيس الراحل طبعت داخله صورة الإنسان الذي يضع غيره قبل نفسه ودائما كانت الجزائر همه الأول والأخير وكان تطورها أكبر مهمة عمل بجهد كبير من أجل تحقيقه ولكن الموت كان سبّاقا، ومن بين ما عايشه حادثة وقعت في 1976 أين ذهب للمشاركة في مؤتمر حول التعريب رفقة بوحجة كممثلين عن ولاية قسنطينة ولكنهما عندما سمعا خطاب الرئيس الراحل قررا العودة دون إكمال المؤتمر ولكنهما فضلا تناول وجبة الغذاء قبل رحيلهما ولكن المفاجأة أنه تم إعلان مشاركة الرئيس الراحل في الفترة المسائية ما تطلب بقاءهما ولكن المفاجأة التالية أنه لم يشارك بصفته رئيس الحكومة بل كمشارك وتدخل وقال إنه يتحدث باسم هواري بومدين الغيور على اللغة العربية و ليس الرئيس، وصف تدخله بالقوي والجريء وجعله وصديقه بوحجة يصفقان بحرارة لتدخله الذي هز القاعة كلها، وكان سببا في بقائهما لآخر أيام المؤتمر.
وأكد محمد كشود في السياق ذاته أن بومدين رجل عجنته الحياة وعركته عركا ولعله السبب وراء إصراره على مواصلة طريق النماء و بناء دولة لا تزول بزوال الرجال، رجل أسس لكرامة المواطن و هيبته في كل مكان يحل فيه، هذا الرجل الذي غاص في أعماق المجتمع الجزائري فكان يخاطب سكان القرى والمدن التي يزورها ببساطة الإنسان داخله بعيدا عن تكلّف الرئيس واصطناعه، يخاطبهم بإحساس المحب والباحث عن المنفعة والمصلحة العامة،فكان الراعي الذي يبكي عندما يرى أيتاما مات آباؤهم في الثورة الجزائرية مضحين بحياتهم من أجل أن يحيا جيل الاستقلال بنسائم الحرية، هي ركائز ودعائم الإنسانية التي رسخت -وإن رفض البعض قبول ذلك- لمجتمع الإنسان فيه أهم ثروة وأغلاها لأنها أساس التطور وأهم استثمار تعول عليه الدول.
على خلاف «الكاريزما» التي كانت تضفي عليه هالة من الهيبة القوية هو إنسان استطاع التميز بالطابع الاجتماعي إلى درجة أن البعض لا يصدقون عنه مثل هذه الحقيقة، كان حسب بعض المقربين يحب النكتة، كما أنه تميز بالتأثر الكبير في الكثير من المواقف الإنسانية قد يصل إلى درجة البكاء، هو إذا رجل استطاع الإبقاء على إنسانيته رغم كل المصاعب التي عاشها في مسيرته كمجاهد وكعسكري وكرئيس أسر قلوب شعوب كاملة آمنت على اختلاف أطيافها بهواري بومدين الإنسان.