قدم الخبير عبد الرحمان مبتول قراءة دقيقة وتشريحا مستفيضا لتداعيات فرض العقوبات الأمريكية على إيران على السوق النفطية وتأثر أسعار برميل البترول، واغتنم الفرصة ليدعو إلى ضرورة إطلاق وإرساء نظرة استراتجية خارج قطاع المحروقات، في ظل ما تدره أسواق السياحة المجاورة من ثروة تضاهي ثروة النفط، وكذا قدرات الجزائر الكامنة في الصناعة التكنولوجية والفلاحة. وربط انتعاش أسعار النفط بانتعاش النمو الاقتصادي العالمي وكذا زوال الخلافات الاقتصادية بين أمريكا والصين وأوروبا، بينما إذا حدث العكس فإن الأسعار ستتهاوى إلى أقل من 60 دولارا للبرميل.
أكد البرفسور عبد الرحمان مبتول – لدى نزوله ضيفا على ركن “ضيف الشعب” - أن العقوبات الأمريكية على إيران والتي دخلت حيز السريان شهر نوفمبر الجاري لا تسري على 8 بلدان لأنها مستمرة في الاستفادة من الإمدادات النفطية الإيرانية، علما أن ثلاث دول ويتعلق الأمر بكل من الصين والهند وتركيا ستبقى تستفيد من النفط الإيراني طيلة مدة 8 أشهر المقبلة، معتبرا في سياق متصل أن الدخول القوي للغاز والبترول الصخري الأمريكي من خلال ما أسماه بالحقول النفطية الصغيرة الأمريكية بدوره أثر على أسعار السوق النفطية من خلال الزيادة في المعروض من الخام، وتوقع على ضوء المعطيات أنه في عام 2019 سوف تصبح الولايات المتحدة الأمريكية أكبر منتج للنفط بعد السعودية وروسيا، حيث بلغت الزيادة في العرض 1 مليون برميل يوميا بسبب عدم احترام بعض الدول قرار التخفيض المتخذ في فيينا، ومن بين هذه الدول ذكر الا من العراق وليبيا. ومن آثار فرض العقوبات الأمريكية على إيران تحدث الخبير مبتول كذلك عن تسجيل كلفة جيواستراتجية، على خلفية أن جميع التقارير الصادرة عن البنك العالمي وصندوق النقد الدولي تؤكد أنه إذا تطورت تداعيات الخلافات الاقتصادية ما بين أمريكا والصين وأوروبا ونتج عن ذلك أزمة فإن أسعار برميل البترول قد تتراجع إلى أقل من 60 دولارا للبرميل، لكن إذا حدث العكس وسجل نمو اقتصادي وإذا نجحت السعودية في تخفيض إمداداتها النفطية نحو الأسواق، فإن كل ذلك سيكون له آثار إيجابية على تماسك الأسعار النفطية، علما أن حصة إيران النفطية في العرض تناهز 2.7 مليون برميل يوميا.
وحول مستقبل الأسعار في ظل التذبذب المسجل واجتماع بعض العوامل السلبية التي قد تتسبب في المزيد من تهاوي أسعار الذهب الأسود، أوضح الدكتور عبد الرحمان مبتول أن أسعار النفط مرتبطة بمعدل النمو العالمي خاصة ما تعلق بالصين والهند والدول الأوروبية، إلى جانب تأثيرات الحرب الاقتصادية القائمة بين أمريكا والصين وكذا الرسوم المفروضة، لأن ذلك أدى إلى بروز تخوف صندوق النقد الدولي من نشوب أزمة اقتصادية مشابهة لأزمة 2008، وإذا حدث فعلا فرق ما بين العرض والطلب في سوق النفط، فإن معدلات النمو الاقتصادي تنخفض وبالتالي يفضي ذلك إلى تراجع أسعار النفط إلى أقل من 60 دولارا للبرميل، بينما قد يصل سعر برميل النفط إلى سقف 80 دولارا إذا اختلفت الظروف واختفت العوامل السلبية التي تؤثر على استقرار السوق.
وخلص مبتول إلى القول في هذا المقام أن السعر العادل الذي من شأنه أن يخدم المنتجين والمستهلكين على حد سواء يتمثل في 70 دولار للبرميل، ولم يخف بأن وزير الطاقة الروسي “ألكسندر نوفاك” يرى بأن السعر العادل للنفط يتمثل في 65 دولارا للبرميل.
18 مليار متر مكعب احتياطي الغاز الصخري
وعلى ضوء تقديراته الدقيقة قال الخبير مبتول أنه إذا عرفت أسعار النفط زيادة ب1دولار يوميا، فإن إجمالي الزيادة السنوية سوف يصل من 300 إلى 400 مليون دولار، وكشف في سياق متصل أنه بإمكان الجزائر إنتاج نحو 1.4 مليون برميل يوميا، ويمكن تحصيل من خلال ذلك ما بين 8 و10ملايير دولار، مشيرا إلى أن أسعار البترول لديها تأثيرات إيجابية على الميزانية وتقلص من حجم التمويل غير تقليدي، واغتنم الفرصة ليدعو إلى ضرورة إطلاق وإرساء نظرة خارج قطاع المحروقات، في ظل ما تدره أسواق السياحة المجاورة من ثروة تضاهي ثروة النفط وعلى سبيل المثال مداخيل سوق السياحة الفرنسية التي تناهز سنويا 45 مليار دولار أي ضعفي مداخيل الجزائر من المحروقات، بينما السياحة في المغرب تدر سنويا نحو 17مليار دولار.
ومن البدائل التي رافع عنها مبتول من أجل مواجهة تقلبات السوق النفطية وإرساء قاعدة صلبة لاقتصاد بديل عن الثروة النفطية، تطرق إلى التكنولوجيات الحديثة على خلفية أن الجزائر تملك ثروة معتبرة من الموارد البشرية والطاقات، علما بأن الهند تصدر ما لا يقل عن 10 ملايير دولار سنويا في البرمجيات وحدها، إلى جانب أنه شدد على ضرورة استغلال القدرات الكامنة والمعتبرة في المجال الفلاحي، أما فيما يتعلق بمستقبل النفط والغاز الصخريين تحدث الدكتور عن امتلاك الجزائر لاحتياطي لا يقل عن 18 مليار متر مكعب، غير أنه لم يخف بأن تكلفة استغلال الزيوت الصخرية وكذا آثارها على المحيط، يمكن التغلب عليها في ظل تطور تقنيات استغلال الغاز الصخري والتي من شأنها أن تقلص بنسبة 95 بالمائة من استهلاك المياه وحقن أماكن تواجد الغاز الصخري، واصفا بأن الطاقة توجد في قلب الأمن الاقتصادي، لذا اقترح ضرورة توسيع وتعميق الحوار مع المجتمع المحلي من أجل الاستغلال الأمثل للغاز الصخري لأن 100 بئر يحتوي على 1 مليار متر مكعب، وعمر البئر يصل إلى 5 سنوات من الاستغلال ومن ثم يتم التوجه إلى منطقة أخرى، وأكد على ضرورة توفر 10 آلاف بئر.
رهان الطاقة الهدروجينية
وطمأن البرفسور مبتول جميع المتخوفين من آثار استغلال الغاز الصخري، أن العلم تطور كثيرا حيث توصل إلى تقنيات تقلل من العوامل السلبية على المحيط بنسبة لا تقل عن 80 بالمائة، وأوضح بأن الجزائر تحتل المرتبة الثالثة عالميا من حيث أكبر احتياطي في الغاز الصخري أي بعد الصين التي تحتل المرتبة الثانية والولايات المتحدة الأمريكية التي تحتل الصدارة، وذكر مبتول أن استغلال الغاز الصخري يحتاج إلى الماء العذب في عمليات حقن آبار الغاز الصخري.
وشدد مبتول على التعجيل بتطوير الطاقات المتجددة لمواجهة تحديات آفاق عام 2030، وأقر بأن منطقة عين صالح تعد المنطقة الأكثر حرارة في العالم، وعلى اعتبار أنه من خلال الطاقات المتجددة يمكن تغطية نحو 40 بالمائة من الاستهلاك المحلي، أي الكمية المستعملة اليوم يمكن توجيهها إلى التصدير إذا تم التوجه نحو استهلاك الطاقة المتجددة، ومن ثم الوصول إلى مرحلة مزج الطاقات مع بعضها البعض، صناعة السيارات في الجزائر تكلف الجزائر 3 ملايير دولار سنويا، وتمنى لو الشركاء في صناعة السيارات يجلبون معهم التكنولوجيا لأن العالم على موعد مع السيارات الكهربائية حيث أوروبا سوف تصبح نصف حظيرة سيارتها كهربائية، أي في آفاق عام 2030 و2040، لأن العالم سيتحول نحو الطاقة الهدروجينية، أي المستقبل للشمس والماء وبالتالي العودة إلى الفطرة. ووجه سلسلة من الانتقادات لمراكز البحث التي يرى بأن العديد منها مازال جامدا في وقت يعد البحث إحدى ركائز اقتصاديات الدول الناشئة.
إرساء ميكانيزم لسلم القيم
ومن بين الحلول التي اقترحها البرفسور عبد الرحمان مبتول من أجل قطع دابر الفساد، ذكر أخلقة بالدرجة الأولى المجتمع، لأنه لا يكفي أن يقوم بالمهمة مفتشية المالية والديوان الوطني لمكافحة الفساد، ومن مظاهر الفساد تحدث مبتول عن ظاهرة تحويل العملة الصعبة وتضخيم الفواتير، بل قال أن الفساد صار يهدد الاقتصاد الوطني ويتطلب الأمر تجند الجزائريين جميعا إلى جانب الأجهزة المؤسساتية وكذا الأجهزة التقنية من أجل شفافية العدالة وتفعيل الرقابة البرلمانية، وإلى جانب إرساء ميكانزم سلم للقيم. وحذر مبتول من استمرار مظاهر الفساد لأن ظاهرة نزيف العملة الصعبة والتهرب الجبائي وتهريب المواد الواسعة الاستهلاك، واقترح بالموازاة مع ذلك تنظيم جيد ومحكم للاقتصاد الوطني، واعترف بوجود العديد من الخواص يتهربون من دفع الضرائب بل ولا يكشفون عن رقم أعمالهم الحقيقي. وحذر من التهرب الجبائي وخطره على الاقتصاد الوطني، مبرزا كيفية التعامل مع الفساد في امريكا حيث يمثل التهرب الضريبي والاختلاس جريمة في حق الأمة الأمريكية بل وتعتبر اخطر بكثير من جريمة القتل.