قد تغدو مدة حياتنا عشرة أمتار، وقد تطول قليلاً لتمتد لعشرين متراً من الزفت أو التراب، هي مسافة العبور الحتمية التي قد يكون الموت فيها مجرد نصيب وحظ عاثر، والحياة تظنها للحظة مرهونة بعضلات ساقيك وسرعة خطوتك حتى أنّه يخيّل إليك للحظة عندما يتساقط رصاص القناص من حولك أنّك قد تجري بسرعة تفوق سرعة الضّوء فتسبق الرصاصة الساعية خلفك ككلب مسعور ضربه الجوع. تقف مع رفاق سلاحك في جانب الطّريق، وتتوكل على الله وتنطلق كسهم أطلق من نشاب، وصوت طلقات القناصين يدوي خلفك وأمامك لا يعلوه سوى صوت أنفاسك ودقات قلبك، ولا سبيل للتوقف والتفكير، فعيناك وعقلك قد سبقوك للطرف الآخر منتظراً أن تقفز القفزة الأخيرة مبتعدا عن أيدي عزرائيل الطويلة وعينيه الواسعتين، وأي تمهل أو توقف في هذه الرحلة القصيرة الطويلة المفرحة المحزنة يعني أنك لن تصل الجهة الأخرى مرة أخرى أبداً.
بضعة أمتار يحكمها حاقد خائن كافر ذبلت عليها آلاف الزهور، وتيتم بسببها آلاف الأطفال وكانت سبباً لبؤس وشقاء الكثير الكثير من الآباء والأمهات.
هذه الأمتار القليلة قد ترغمك الحرب على جعلها روتينك الدائم ليكون السباق مع الرصاص إحدى فروضك اليومية، هذا الفرض الشاق الذي قد يعني فشلك في إتمامه نهاية حياتك.