لا يمكنُ أن تسكنَ مُدناً لا تحبها، كما لايمكنك أن ترفض حباً من مدينةٍ أغرت الشرق كلّه حلب (المدينةُ الأكثر تديُّنا والأقل تعصّباً) يصير الإسلامُ فيها شيخاً جليلاً، يكنسُ الشارعَ أمام الجامع الكبير، يبتسمُ في وجهك ويعطيك قطعةَ حلوى (على حب النبي) القلعةُ تذكارٌ يضبط توقيت التاريخ، يصيرُ الزمنُ سائحاً يتجول بكامل الدهشة في أسواقها، يرى شبابه مازال حاضراً فيها النسوةُ بيوتٌ مخبّأة في جلبابٍ يمنعُ البردَ والنظرات الغريبة، يحملنَ معهنّ الوصفات السريّة للحبّ والتوابل، ليس لكَ أن تقتحم عالمهن ذاك رغم لهجتكَ الغريبة و(القاف) التي تكسرُ زجاج اللغة، ستجد مكاناً محفوظاً لك في قلوب أهلها هي مدينةٌ للعوالم السريّة، تعطيك كلّ شيء سراً، الحبّ والمواعيدَ والوجبات الدسمة، تقولُ لك بتواطئ شهي: خُذها لكن لا تخبر أحداً في هذه المدينة تركتُ خمسَ سنوات من عمري تعربشُ على جدران منازلها، تتمشى في شوارع (السليمانية)، تلعبُ كرة القدم مع الأطفالِ في الأزقة، ترتّل القداس في كنيسة الفرح خمسُ سنواتٍ كافية لتكشف جميعَ أسرارها، الوشمَ المحفورَ على كتفها، الرغبةَ النزقة في انتقاء الغرباء، نشوتها في غناء المدائح أثناء (المولد) حلب تسحركَ، تأسركَ، تعطيكَ كلّ شيء..لكنها / بخبثِ إمرأةٍ / لا تنسيكَ أنك غريب.