ثار حزن القلب على نبضه…بكت الروح، وارتعش الجسد…ارتفع النحيب من الأعماق، أمطر دموعاً حارقة…غطت وجهها بيديها، تاركة العنان لأنينها المكتوم ليعصف في الروح صراخا دون صدى… لا تعلم كم مرّ عليها من الوقت تصارع الألم وهي تسترجع ذكرى المكان والزمان…وتفاصيل كانت نائمة في زوايا ذاكرة لا تهدأ ولا تنام. تمر أمام عينيها مشاهد الماضي، تلوح ابتسامة عابرة على محياها تأبى المكوث، وكأنها على عجل، لتترك الوقت للصور الحزينة التي تليها. تسارعت حركة الكرسي الهزاز بها، وكأن عاصفة ضربت أرجاء الجسد المتهالك عليها…غطت وجهها لتتقي عصف الذكريات… انطلقت من الأعماق… آه كاوية…مع عبق عطرها وزينتها وجمالها، حين كانت في ربيع العمر، تتهادى بفرح أمام نظرات الإعجاب كعروس الحكايات… اصطفت أمام ناظريها صديقات الطفولة والشباب… هذه خطبت… وهذه تزوجت…وأخرى أنجبت… كل واحدة منهن في عالمها الخاص، أخذتها الحياة فغابت مع أسرتها ومناسبات أولادها…نادرا ما يتذكرنها وكأنها بالنسبة إليهن طيف مر في حياتهن وغادر إلى مكان منسي… تحسّرتْ على ما مضى من العمر عبثا وهي تمني النفس بالاستقرار والدفء العائلي… إنها الوحدة القاتلة…الوقت الثقيل الذي يزحف بكل ثقله على روحها، يزهق أنفاسها…انه الفراغ…فراغ لا أفق له ولا صدى… هي الأقدار التي تضعنا في ما لا نطيقه لكن مع ذلك نتشبث بالحياة رغم المرارة والحزن يتماشى الإنسان مع كل المتغيرات ويخفي حزنه ويبتسم ويتصنع الضحكات الباردة الخالية من المشاعر.