كعادتها تبقى قريتنا تعيش تفاصيل يومها الرمضاني بكل هدوء وبساطة، ابتداء من الصباح الهادئ المطعم بالنسائم العليلة كباقي الصباحات الرمضانية...فهذه الساقية الفلياشية القادمة مياهها العذبة من منبعها بعين قرمودي، ىحيث تنساب صافية رقراقة لا شيء يعكر صفوها غير نقيق الضفادع التي تقضي ليلها على هذا الحال لتتموقع على إحدى الصخور حينا أو السباحة أحيانا، وهذا وادي سيدي زرزور الذي يمتلئ سطحه بالحجارة والكثبان الرملية، ينتظر قوافل العابرين من سكان قريتنا إلى مدينة بسكرة القريبة للتسوق وإحضار ما يلزمهم من محلاتها، وما إن تبدأ أشعة الشمس في البزوغ إلا وتسمع نهيق الأحمرة وصهيل الخيل التي تجر العربات لتعبر الوادي نحو المدينة، إذ كانت هي الوسيلة الوحيدة لنقل ما يحتاجه سكان قريتنا من البضائع المتنوعة، لتبدأ يومياتنا الجميلة بالسعي لكسب الرزق ومسايرة تفاصيل الحياة فترى تلك العربات المجرورة في غدو ورواح..
وبعد طلوع النهار تجد النساء جماعات جماعات يقصدن الوادي عند مشارف بحيرة عين قرمودي، وهن يحملن آنية الغسيل والصابون لغسل الثياب أو الأفرشة، وحتى الصوف وهن بذلك يرسمن مشهدا جميلا للمرأة الريفية بكل بساطة متناهية، وعند المساء تجد باعة الفول يطوفون الشوارع، وأبرزهم عمي التجاني ذلك الرجل الطيب القادم من وادي ريغ، حيث استقر به المقام بيننا ليزاول تجارة بيع الفول فهو ينطلق من بيته بعد صلاة العصر ليحط رحاله في مكانه الذي عرف به، وبينما هو في طريقه قد يعترضه أحدهم من أجل شراء ما يلزمه من فول شهي ومما يشتهر به عمي التجاني أنه يوزع بعضا من فوله بالمجان على العائلات الفقيرة، وحتى أولئك الأطفال الذين يحيطون به مما جعل أغلب سكان القرية يحبونه ويضربون به المثل في الطيبة والتواضع والإيثار..
وتستمر يوميات قريتنا الرمضانية، إلى أن يحين موعد آذان المغرب ليلتئم شمل العائلات حول موائد الإفطار وينقضي يوم جديد، في انتظار السّهرات التي تبدأ بصلاة التراويح بساحة المسجد العتيق، وبعد انقضاء الصلاة يتوزعون في جماعات للسمر وتبادل الحكايات المسلية، في انتظار موعد السحور واستقبال يوم جديد...