قلت لها: ما الحياة إلا مجموعة من اللحظات، تأخذك لحظة إلى قمة الفرح وترميك لحظة في غياهب اليأس، تمر بنا لحظات كدهر لا ينقضي تتشح فيها قلوبنا بالسواد تغلبنا فيها الحياة بقسوتها فتهزم أرواحنا ونعلن الاستسلام، ثم تعود لتمد لنا يدها، تحاول أن تصافحنا معتذرة فنتوجس منها ونرفض أن نرتدي ثوب الفرح الذي تهدينا إياه تخوفا من غدرها.
قالت: إذا فلم نستكثر على أنفسنا لحظات الفرح؟
قلت: نحن نخشى قسوة السقوط إذا ما حلقنا عالياً في فضاء الفرح وفردنا أجنحتنا نشاكس بها قرص الشمس المبتسم في صفحة السماء، لأنه لن يدوم..
قالت: الفرح لن يدوم هذا صحيح لأن لا شيء في الحياة يدوم، وهذا في رأيي ادعى لأن نتشبث بكل لحظة فرح، نتلقفها بالأحضان ونتشبع بها ليبقى لنا ما يعيننا على مواجهة الحياة حين تغضب وتدير لنا وجهها الآخر مرة أخرى.
قلت: نحن نخاف الفرح فلا نغالي فيه حتى لا نصدم بغيابه المفاجئ وبالمقابل نغالي في الحزن ونتمرغ في ترابه ونعفر به قلوبنا لنفس السبب لأنه لن يدوم ونحن نريد أن نشعر بهوة الفرق بين الحزن وأي لحظة سكينة تمر علينا فنبالغ في الحزن حتى نتنفس بقوة عند مجرد انزياحه..
قالت: أتفهم كل هذا، ولكني لا أوافق عليه..أنا إنسانة أخلق الفرح عندما يجحف في غيابه ويتعزّز علي، أباغته واخطف منه لحظات احتضنها وأغلق عليها جفوني حتى تبقى محفوظة ولا تختفي مرة أخرى، أبالغ في فرحي حتى تنطبع بصماته على جدران قلبي ولا تنطمس مهما عفرها تراب الحزن بعد ذلك..بلمسة بسيطة سأنفض بها ذلك الغبار ليعود الفرح الى قلبي..
بلهاء أنا أو ربما سطحية، قد تظن أنّني محظوظة أحيا في برجي العاجي لم أذق مرارة الحياة ولذلك أتحدث عن الحزن بتلك السطحية والبساطة، ولكني أحب أن أطمئنك لقد عركت الحزن حتى كاد أن يسحقني عرفت كيف تحترق الروح الغاضبة، وما معنى أن يسكنك اليأس، ولكن وعند آخر بقعة في ظلمات القاع عدت لأنتفض رافضة.
أنا أرفض أن يغلبني الحزن ويوشح أيامي بسواده، أرفض أن أصبح رماداً لغضب لا ينطفئ وأرفض أن ينتهك اليأس قدسية حياتي..
سأبقى بكل فخر مجنونة، تافهة، سطحية، بريئة الروح كطفلة أنسج من شظايا الحزن أثواب الفرح، سأراقص الحياة..أحايلها وأحتال عليها لأسرق منها ضحكة وأطبع على وجهها قبلة مباغتة تجبرها على الابتسامة، سأخرج الأرنب من قبعتي وأشهق بسعادة لأسراب الحمام، سأخيف الحزن بأشواكي وأجبره أن يمضي في سلام، سيحفر يوماً على شاهد قبري..هنا ترقد الصبارة التي رفضت الاستسلام”.