دموع نعجز عن إيقافها تلك التي تجبرنا على الرضوخ لعصفها الجارف، تلك التي يوقضها الحنين والحرمان وتأسرها صورة معلقة على جدار غرفة كلما ثبت عليها النظر أضرمت نار الشوق واللهفة وأيقظت حلما تقيده أقدار لا نملك من تحقيقها إلا الرضا بما هي عليه.
أتعلم يا ياسر أنا لا أبكي صورة أمي التي حملتني وهن على وهن ولا أبي الذي لا أملك من ذكرياته سوى تلك الصورة التي احتفظ بها بين وثائقي في محفظتي، أنا لا أبكي وطني الذي وهبني الجنسية والملاذ، أبكي وطني فلسطين، أبكي القدس، أبكي المسجد الاقصى.
لا تستغرب ياسر أبكي حرماني من معانقة أشجار الزيتون، من مداعبة رمال شاطئ غزة، أحن لمصافحة أزقة حيفا وملاطفة نسمات يافا، إنه حلمي يا ياسر، حلم طلما قيده استطان غاشم، كسره خذلان و تطبيع عربي علني وأبكاه وتين قلبي، للقدس في قلبي مكانة الأم من العطف والأب من الحنان والوطن من وفاء، حب لازمني من فتوة ذهني، من صدى قذيفة أسقطت شهيدا، من دمعة أم رثت إبنا... زوجا... أخا... وحتى أبا وعما وخال، من صراخ فتاة حرمت فرحة زواج، من شهقة طفل ينام ويستيقظ مرعوبا.
كثيرا ما سافرت بي الأحلام عبر بوابة هذه الصورة التي لطالما كانت جواز سفر أعبر به عبر الزمن والتعق من خلالها نسائم الحرية و انتشي عطر دماء شهداء زينت سماء القدس شعارات حرية وأصوات النصر تتعالى بين ثنايا ربوع الأرض الطيبة.
لا تبكي يا ياسر فحلمي ليس معدوما، القدس التي أنجبت صلاح الدين ستنجب العشرات منه، سيتنصر الاقصى وغدو بين تلالها حرا، أعانق نفحات عبير أشجار الزيتون وعبق رائحة الشاي المتسربة من دكاكين شوارع نابلس والتقط صورا أمام بيت المقدس، نعم حلمي قلب ينبض فدماؤه لا تجف ولا تتوقف عن السريان بحب القدس، هو شغف يكسوه معطف الأمل بالقدس الحرة.