عن قصتي، حملتُ يوما نعشي معي وأنا ذاهب إلى الصحراء، وبدأتُ بخطوات الوداع لتلك التلال التي عشتُ فيها طفولتي، بدأتْ أشعة الشمس تحرق جبيني كأن كل براكين الدنيا إنهالتْ علَيَّ بقساوة عظَمتِها، وبينما كنتُ أسرق أنفاسي من التعب، أبصرتُ شيخا عجوزا بجانب الطريق، فسألته:
ما بالك يا شيخنا؟ وهل تودّ مساعدة؟
أجانبي قائلا: أعرْني نعشَك لأرتاح فيه.
طبعا غضبتُ وحملتُ نفسي مسرعا إلى بلدتي الجديدة، حيث لا أدري كيف سيكون طِباع السكان، أحسستُ نفسي كالسمكة التي خرجتْ من بركتها، بدأ هوائي ينقطع في صدري ولكن مازلتُ أتنفس شيئا عجيبا لا يشبه الهواء.
قبل الغروب وصلتُ إلى وجهتي، وسألني صاحب المنزل الذي استأجرته:
لماذا تحمل نعشك معك يا أخي؟
فأجبته: لأني من صغري وأنا أحس أن الموت يرافقني.
زاد تعجبا وأراد أكلي بعيْنيه، ومع ذلك تركتُ النعش في باحة المنزل جالسًا كعَروس عذراء، وأصبحتُ حديث البلدة، بل الرجل المشهور فيها، حيث لقبُوني بعاشق النعش أو حاضن الموت وغيرها من الأسماء.
أحسستُ أن حظي بدأ ينظر لي، ويمنحني بعضا من الطمأنينة، وفجأة وجدتهم يعتقدون أنني عرّافـًا يفهم بأمور الموت وخبايا الحياة، وهذا الأمر كثيرا ما أزعجني.
وتيَقنتُ أن الإنسان أحيانا مهما انتظر الموت ستبقى هذه الأخيرة تتفق مع الحياة عليه، وتهديه من طباعها ومكائدها ما تشاء، فقررتُ الرحيل مجددا ولكن هذه المرة تاركا نعشي ذكرى لسكان البلدة وأنا في حيرة من أمري إلى أين وجهتي هذه المرة ..