عثروا على جلول المتشرد ميتاً بجانب الجامع الكبير، قالوا بأنها وفاة طبيعية!
كان لا يُحبذ مخالطة الناس أو الحديث معهم، وإنما يحب العزلة، ولا يكاد يتصل إلاّ بالعم صالح البقال، يشتري من عنده البيض المسلوق، الجبن والخبز، وجبته المُفضلة التي تكاد تكون يومية. وهو الوحيد الذّي كان يُحادثه ويفتح له قلبه المليء بالهموم والبؤس!
اغرورقت عينا العم صالح بالدموع وقال لنا: ـ...له حكاية تستحق الرثاء، لطيف ومحبوب وقد كُنت دائم العطف عليه، والتعاطف معه، وأشفقُ عليه لكن كانت هناك نقطة ضعف، أو نقطة سوداء في حياته، هي زواجه الفاشل، وابنته الوحيدة التي لا يعقل من صورتها أو صوتها شيئا سوى اسمها ما يا..
طلق زوجته منذ خمسة عشر سنة، ومنذ خمسة عشر سنة لم يسأل عن ابنته! كان ذلك يُؤلمه كثيراً..
كان يقول لي وهو يتنهد: -كم أنا مشتاق الى ابنتي!
فكُنت أرد عليه فوراً: - هذا حال الكثيرين من الناس، يخطئ الكبار ويدفعُ الأطفال الثمن ..إنك لا تستطيع أن تتصور شوق الأولاد لآبائهم ..
فيقول: - ما أقسى قلوبنا نحن الكبار! نقع في الحب، ثم سرعان ما يتحول ذلك الحب الى كراهية! وقد تمتدُ تلك الكراهية الى الأولاد الصغار الذّين لا ذّنب لهم! عِشتُ طوال حياتي وأنا أطمع في أن تدّق علي الباب يوماً ما..لكني كُنت متوهماً، بل مخطئاً..كان يجبُ علي أن أبحث عنها وأحتضنها...
كنتُ دائما أنصتُ الى حديثه المتألم عن زوجته، وابنته الصغيرة، وهو يلتهمُ البيض والجبن..
تأثّرنا كثيرا بحديث عمي البقال عن جلول المتشرد..