تعرّفت على الشيخ يوسف سلامة بعد إقامة السلطة الوطنية في عام 1994، وكان الرجل محبّا، وصاحب فراسة ولماح، وامتاز بالفطنة والذكاء، قريب من القلب وصاحب نكتة، ودمث الخلق، متواضعا، ومخلصا للوطن والشعب والمشروع الوطني.
كان الرجل حصيفا ومبدعا في مجال الفقه والتشريع الديني، ومثابرا في المجالات والمهام والوظائف التي تولّى مسؤولياتها وصاحب مبادرات متميّزة، ولم يتوانَ أو يتخلّف عن القيام بواجبه الشخصي والوظيفي والديني والسياسي والاجتماعي، كريما مع أبنائه من الجنسين، وحريصا على تعليمهم، وكان لصيق الصلة مع أبناء شعبه عموما ومرؤوسيه ورؤسائه. كما كان قريبا ومحبوبا من القيادة السياسية وخاصّة الرمز الشهيد المؤسّس أبو عمار، الذي كلّفه بالعديد من المهام، كان آخرها اختياره وزيرا للأوقاف ما بين عامي 1998- 2006، كما أنّ الرئيس أبو مازن أبقاه على رأس الوزارة بعد توليه الرئاسة عام 2005، وانتخب عضوا في المجلس المركزي لمنظمة التحرير عام 2018 في دورة المجلس الوطني 23.
رحل الشيخ يوسف جمعة سلامة شهيدا عن عمر يناهز 69 عاما نتيجة قصف صهيوني في حرب الإبادة الجماعية في معسكر المغازي وسط قطاع غزّة في 31 ديسمبر 2023 مع عدد من أفراد أسرته، وهو المخيّم الذي ولد ونشأ وترعرع فيه منذ عام 1954، تاركا خلفه إرثا مليئا بالعطاء والإنجازات العلمية والدينية على المستويات الفلسطينية والعربية والإسلامية.
ومن المهام التي تولاها الشيخ سلامة: خطيب المسجد الأقصى الأسبق، والنائب الأول لرئيس الهيئة الإسلامية العليا في القدس، وعضو المجلس الأعلى لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة سابقا. كما أنّه أسّس العديد من الجمعيات الدينية، وشارك في عشرات المؤتمرات والندوات، وكان محاضرا في جامعة الأزهر في مدينة غزّة، وقبل ذلك تولى رئاسة المعاهد الأزهرية في فلسطين.
وأنتج العديد من الكتب والدراسات في مجال تخصّصه، وكان له دور ريادي في الربط بين رجال الدين من جناحي الوطن منذ عام 1978، وعزّز الشراكة بينهم بمبادراته وحرصه على توحيد جهودهم لحماية المسجد الأقصى والمنابر الدينية المختلفة في فلسطين، وعزّز ربط المسألة الدينية بالمشروع الوطني الفلسطيني، ممّا منحه ثقة رجال الدين في توليه مكانة خطيب المسجد الأقصى، الذي لم ينفكّ عن التواجد الدائم فيه.
أضف إلى أنّه أول من أصدر القرآن الكريم، قرآن الأقصى في فلسطين. ولم يتولَ الشيخ يوسف ابن قرية بيت طيما المحتلة في عام 1948، التي هُجر أهله منها قبل ولادته في معسكر المغازي وسط قطاع غزّة مهامه المختلفة بالصدفة أو اعتباطا، إنّما لكفاءاته ونتاج تحصيله العلمي في المجال الديني، حيث حصل على درجة الدكتوراه في الفقه، وماجستير في أصول الفقه، وليسانس في الحديث الشريف، وإجازة المحاماة الشرعية.
كان الشيخ سلامة محبّا ورؤوفا وسمحا مع أبنائه، وكان يطمح أن يرى أبناءه من الجنسين دوما في مقدّمة الصفوف العلمية، ليكونوا جديرين بالمواقع التي يتولونها في حياتهم لاحقا، وزرع فيهم حب الخير، ومساعدة الآخرين من أبناء الشعب قدر ما يستطيعون.
كما كان يفعل مع المحتاجين، الذين لم تسعفهم الحياة على مجابهة تحدّيات صعوباتها، ولضيق اليد، وشروط الحياة الجائرة عليهم، ووفق ما ذكر ابنه إياد نقلا عن رجل من البسطاء أخبره بالأمر بعد استشهاد والده، أنّ الشيخ يوسف، كان يرسل له ظرفا معطّرا فيه مبلغا من المال كلّ شهر للأخذ بيده.
وهذا نموذج بسيط عن كرم الرجل، وحرصه على التكافل الاجتماعي مع أبناء الشعب. رغم رحيله كأحد ضحايا الإبادة الجماعية الصهيونية، مازال الشيخ يوسف جمعة سلامة حاضرا بسجلّه الوطني والديني السمح، الرافض للتطرّف وبإنتاجه وعطائه المعرفي في سجلّ الخالدين، لا سيّما وأنّه ترك بصمة مهمّة في مسيرة حياته في المشهد السياسي الوطني، وفي الحقل الديني السمح ولما له من مكانة مشرّفة بين أقرانه من رجال الدين، رحم الله الشيخ الدكتور يوسف، وإن شاء الله مثواه الجنة.