يعد مرض السكري من الأمراض الصامتة التي بإمكانها أن تتسبب في تعقيدات ومضاعفات خطيرة لا تظهر للعيان إلا بعد استحالة العلاج في كثير من الحالات. تقرّبت “الشعب “ من الدكتورة المختصة في الطب الداخلي ف. عمار أوشيش التي تسهر على المتابعة الصحية لمرضى السكري بغرض الاستفسار عن هذا الموضوع وعن مدى خطورته في حالة ما استهان المصاب بالفحوصات الدورية المختلفة.
“الشعب”: يكثر الحديث عن مرض السكري، فهل بإمكانكم دكتورة، شرح المضاعفات التي يمكن أن تنتج عن الإصابة بهذا الداء؟
تنقسم المضاعفات الناجمة عن الإصابة بمرض السكري إلى قسمين، ويمثل القسم الأول التعقيدات الحادة وهي تخص المصابين بالسكري من النوع الأول وذلك في حالة حدوث ارتفاع في نسبة السكر في الدم وتتمثل العلامات في الإحساس بالدوران ويصحبه إحساس بالتعب والتعرق الشديدين والشعور بآلام في البطن مع التقيؤ، وهذا بإمكانه أن يدخل المصاب بالسكري في غيبوبة، وتستدعي خطورة الأمر نقل المريض إلى الاستعجالات الطبية فورًا.
ماهي الأسباب المؤدية إلى هذه الحالة؟
هذا راجع إلى نقص الثقافة الصحية لدى المصاب، فهو يتهاون عند أخذ جرعات الأنسولين اللازمة، ففي بعض الحالات لا يتناول أي وجبة غذائية وهذا يعتبر أمرا خطيرا لأن ذلك بإمكانه أن يتسبب في هبوط حاد في نسبة الغلوكوز في الدم إلى أقل من 5 ، 0 غ. / ل. كما أن هناك حالة ثانية من المضاعفات الحادة وتدعى بالأسيدوسيتوس acidocétoce diabétique ويكون ذلك بتسجيل ارتفاع مفاجئ في نسبة الغلوكوز في الدم تفوق الـ 3 غ./ل. بالإضافة إلى تواجد أجسام سيتونية في البول والتي يمكن الكشف عنها عن طريق استعمال اختبار خاص بالحمض السيتوني ونشير الى أن ذلك ينتج عنه آلام حادة ومغص في البطن مع التقيؤ والغثيان والشعور بالدوران والتعرق وطرح الشخص المصاب لنفس من فمه ذو رائحة حامضة تشبه رائحة التفاح الحامض، وهي تدل على ارتفاع مستوى الغلوكوز في الدم، مما يستدعي أخذ حقنة أنسولين مستعجلة بالإضافة إلى إعادة تمييه المصاب بإعطائه كميات من الماء للشرب ويمكن أن تؤدي هذه الحالة بالمريض إلى الإصابة بنوبة حادة تدخله في حالة غيبوبة مفاجئة أيضا، مما يستلزم الاستعجال في نقل المريض إلى المستشفى، كما يمكن أن يصاب المريض بغيبوبة يسجل فيها ارتفاع نسبة الغلوكوز الى ما يفوق الـ 6 غ./ل. ولا يوجد في البول أي آثار لمادة الأسيتون، لكن على العكس نجد مادة الغليكوز، وهذا ما يؤدي الى فقدان كميات كبيرة من الماء والأملاح المعدنية عن طريق الجهاز البولي وتمسّ هذه الحالة بالخصوص الأشخاص المسّنين لقلة شربهم الماء.
وما هو العلاج في هذه الحالة؟
يتمثل العلاج في هذه الحالة في نقل المريض الى الطب الاستعجالي، أين يتم حقنه بالأنسولين فورا أيضا وإعادة تمييهه عن طريق الوريد، وهذا على العموم كل ما يخص التعقيدات الحادة.
قلتم سابقا أن هناك نوع ثان من المضاعفات وهي على المدى الطويل، هل بإمكانكم شرح ذلك؟
تعتبر هذه التعقيدات الجانب الخفي لمرض السكري وهذا ما يجعل منه مرضا صامتا، وهناك نوعين من الاصابات، الأولى تخص إصابة الشرايين الصغرى وتمس كل من الشرايين الخاصة بالعينين أو الكليتين. وتسمى الاصابة التي يتسبب فيها مرض السكري la Retinopathie diabétique، أين تصاب شبكية العين بتورم بسبب مرض السكري وتتطور هذه الإصابة عبر مراحل و تعتبر المرحلة الأولى بدون أعراض ويتم الكشف عنها عن طريق فحص قعر العين le fond d’oeil ويجرى هذا الفحص للمريض بالسكري مرة كل سنة وهذا للبحث عن احتمالية أي إصابة في الشبكية التي لا تظهر للعيان إلا بواسطة استخدام هذا النوع من الكشف لذلك يوصي الطبيب المرضى بعدم التهاون في القيام بهذا النوع من الفحص دوريا وإلزاميا لتفادي تطور هذه الحالة خفية. ويساعد الكشف المبكر على العلاج في تصحيح الرؤية في بداية الإصابة وذلك عن طريق العلاج باستخدام اللايزر لتفادي تطور الحالة طبعا. ويكون التأكد من الاصابة قبل أخذ هذا العلاج عن طريق التعمق في الكشف عن مستوى الإصابة باستخدام l’angiographie ويمثل الكشف الخاص بذلك والذي يساعد على التحقق من مستوى الإصابة، فإذا كانت الإصابة خفيفة، فإنه بالإمكان القيام بحصص خاصة من العلاج باللايزر، أما في حالة ما كانت الحالة متقدمة فلا يمكن فعل أي شيء وتؤدي هذه الحالة في معظم الحالات الى فقدان الرؤية كلية.
ماعدا إصابة العين التي تؤدي الى فقدان الرؤية كلية في حالة تهاون المريض، ماهي التعقيدات الأخرى؟
يوجد تعقيدات أخرى لا تقل أهمية وخطورة عن سابقتها لأنها تمس عضوا مهما في جسم الشخص المريض وهو الكلى وتدعى هذه الاصابة بـ la nephropathie diabétique وتتطور هذه الحالة عبر خمس مراحل نذكر المرحلة الأولى وهي أهمها لأنه لا يتم الكشف عنها سوى بالقيام دوريا بالاختبار الخاص بكل ستة أشهر والذي يسمى بـ« ميكرو ألبيمينوري” حيث يجرى عن طريق قياس كمية من البول التي تجمع على امتداد فترة ٢٤ سا، وذلك عن طريق البحث عن مادة الألبومين في البول التي لا تمر في العادة إليه و إنما في حالة التهاب الشرايين الكلوية تنفذ هذه المادة إلى البول وتواجدها فيه دليل على حتمية الإصابة ويكون ذلك ببلوغ نسبة عالية من الألبومين في البول والتي تصل إلى ٣٠ ملغ، هنا يمكن القول أن هناك إصابة “مجهرية”، وهذا ما يسمح في بدايتها بتصحيح الخلل وذلك باللجوء الى نوع خاص من الأدوية والتي تكون ذات فعالية في حال استخدمت في الوقت المناسب، وهنا تكمن أهمية القيام بمثل هذه الاختبارات الدورية التي سبق وأن ذكرتها، لأن هنا أيضا يمكن أن يكون الضرر خفيا بصورة لا يتصورها العقل مما يتسبب في الإصابة بالفشل الكلوي في الأخير وفي حالة عدم أخذ العلاج اللازم في الوقت المناسب مما يستدعي القيام بحصص دورية من الدياليز لتصفية الدم اصطناعيا.
الأمر يعد خطيرا بالنظر لما يحدث عند التهاون، هل تنتهي الخطورة عند هذا الحد أم هناك نوع آخر من المضاعفات إضافة إلى ما ذكرتم سابقا؟
نعم، لا تنتهي الخطورة عند هذا الحد ولكن هناك إصابة أخرى تمس النهايات العصبية Les terminaisons nerveuses للأطراف السفلى بالخصوص لدى المصاب ويمكن أن تكون على شكل فقدان الاحساس وبإمكان التعرض لهذه الحالة بعد مرور عشر سنوات جراء الإصابة بالسكري وهو موضوع متشعب يحتاج الى المزيد من الشرح في لقاءات أخرى، لدى سنقف عند هذا الحد لتعم الفائدة مستقبلاً.
دكتورة، ما هي النصيحة التي توّجهينها للمرضى؟
أهمية الكشف الدوري الذي يصفه الطبيب لمريض السكري سنويا تبرز في إمكانية اصلاح الضرر والذي كثيرا ما يتهاون في إجرائه العديد من المرضى المصابين بالسكري، وهذا نظرا لجهلهم الخطورة الناجمة عن ذلك لأنه في الأخير يصابون بالعمى الكلي ولا يمكن إصلاح ذلك. فيبقى الحرص ثم الحرص على القيام بالفحص دوريا لتفادي وقوع ما لا يحمد عقباه لا قدّر الله.