يقول الباحثون إنّ النظام الغذائي الذي نتناوله في مرحلة الطفولة أمر حاسم لصحتنا المعرفية والعقلية مع تقدّمنا في السنّ، لكن للأسف تنتشر ظاهرة الأكل السريع خاصّة في فصل الصيف، وتتمثل في تناول الأطفال الصغار أكلات سريعة أغلبيتها «سندويتشات وبيتزا»، منذ سنّ مبكّرة، وهذا ما يشجّعه الأولياء دون دراية منهم بالتأثيرات السلبية والخطيرة المضرّة بصحّتهم، ويمكن تصنيف ذلك من بين العوامل الرئيسة المؤثّرة في النموّ السليم للطفل.
في هذا الموضوع، كشفت دراسة بريطانية حديثة، قدّمت إلى الجمعية الأمريكية للتغذية ونقلتها صحيفة الغارديان، عن تسجيل نتائج لدى المرضى الذين تمت متابعتهم من سنّ 4 إلى 70 عاما. وفقًا للباحثين، أنّ النظام الغذائي لمدى الحياة هو الذي يجب أن نأخذه بعين الاعتبار. ما تناولته عندما كنت طفلاً قد يكون له صلة بأمراض تسبّب في خلل معرفي مرتبط بالعمر مثل الزهايمر.
كما لاحظوا أنّ النظام الغذائي في مرحلة الطفولة له تأثير على النظام الغذائي للبالغين. ووفقا لهم، فإنّ أهم 4 مجموعات غذائية يجب تناولها خلال الفترة الأولى من الحياة هي: الفول، والخضروات الورقية الخضراء، والحبوب الكاملة، والفواكه الكاملة. الأشخاص الذين يتمتّعون بأعلى القدرات المعرفية هم أولئك الذين تناولوا الخضار والفواكه والبقوليات والحبوب الكاملة وعدد أقلّ من السكّريات المضافة والصوديوم والحبوب المكررة.
من جهة أخرى وتدعيما لهذا الطرح، يؤكّد الأطباء أيضا تزايد تسجيل عدد الوفيات بالسكتة القلبية في سنّ مبكرة وبالخصوص لدى الشباب في العشرينات من العمر، وهذا المشكل الصحّي مرتبط ـ بحسبهم ـ ارتباطا وثيقا بتغيّر النمط المعيشي، وتأثير الأغذية غير الصّحية التي تعطى للطفل منذ نعومة أظافره والمتسبّبة في اختلال الوزن لديه، ممّا ينتج عنه تزايد غير معهود وظاهر للعيان، بينما يمكن أن يحدث العكس تماما في حالات أخرى كأن يتسبّب هذا التناول العشوائي في الإصابة بالوهن وفقر الدم لدى أغلبية أطفال المدارس.
ولتفادي الوقوع في هذا النوع من المشاكل الصّحية، تنصح مختصة التغذية لامية دريش، الأولياء بتعويد أبنائهم على تناول مختلف الأغذية الصّحية المتنوّعة وبالخصوص الخضروات لما تحمله من فائدة صحية على النمو الجسدي والعقلي السليم لأطفالنا.
تقول المختصة، إنّ كثيرين منهم يقدّمون أغذية غير متوازنة لأطفالهم نتيجة عامل الوقت الذي أصبح لا يخدمهم، فمعظمهم يعملون خارج البيت ويتركون مصروف الجيب لأبنائهم الذين يفضّلون استخدامه يوميا في تناول البيتزا وغيره من السندويتشات، وهي تنصح الوالدين بالابتعاد كلية عن ذلك، لأنّهم يرسّخون عادات سيئة لدى أطفالهم الصغار والتي تخلّ بنظامهم الصّحي. كما تنصح المختصة هؤلاء بالتحلّي بالصبر أثناء القيام بترسيخ عادات التغذية الصحية السليمة في نفس الوقت، لأنّ كلّ عادة تكتسب تصبح طبيعة ثانية ـ على حدّ قولها ـ ويكون من الصعب التخلي عنها. ولتحقيق هذه الغاية، توضّح ماهية الغذاء الصحي المتوازن، وتقول في هذا الجانب بالذات أنّ انعدام الثقافة الصحية لدى الأشخاص يجعلهم لا ينتبهون لنوعية الأغذية التي يتناولونها، إلا في حالات ظهور المرض لديهم، أين يتحتّم عليهم في معظم الحالات إتباع حمية غذائية كمكمّل للعلاج الدوائي الخاص بمرضهم. ولهذا فهي تؤكّد على أهمية معرفة الأشخاص لمكوّنات الغذاء الصحي المتوازن، والذي يبقى في الأصل وقاية أفضل من العلاج، لأنّه يبقى من الضروري على الوالدين الانتباه لكلّ ما يتناوله طفلهم، تحت شرط توفير غذاء صحي ونوعي قبل ولادته وبعدها عن طريق انتباه المرأة الحامل لغذائها ثم بعد ذلك منذ ولادة طفلها.
وتتلخّص أهمية ما سبق ذكره في حاجة الفرد لكلّ ما تنتجه الأرض من ألوان الغذاء الذي يعتبر في الوقت ذاته مصدر عافيته بالإضافة إلى تحقيق التوازن الجسماني والنفسي لدى الأشخاص، وتقول إنّ الإنسان ما فتئ يستخدم منذ القدم أنواعا مختلفة من الطعام للعلاج من بعض الأوبئة، كما استعمله كأساس في صناعة الأدوية التقليدية. وتوّضح أنّه يمكن الاستعانة بالتوازن في ألوان الطعام والشراب، ومعرفة الأشخاص لتقسيم الأغذية إلى مجموعات: (مجموعة الحلويات والدهون، مجموعة الحليب ومنتجاته، مجموعة اللّحوم والبقول والبيض والمكسّرات ومجموعة الخضروات) ما يساعدهم على تحقيق التوازن الغذائي.
وتضيف في الأخير المختصّة، أنّ الغذاء الصّحي للأطفال يشمل عناصر مستقاة من كلّ مجموعة، بحسب الرغبة، بالابتعاد عن تناول كميات كبيرة من نوع واحد فقط، حيث ثمّة دلائل كثيرة تظهر أنّ النظام الغذائي الصّحي يوّفر العناصر التي يحتاج إليها الجسم بالمقادير والنسب الملائمة لنموّه وصيانته وحفظ ذاته، حيث يجب أن تنخفض فيه المواد الأكثر ضررا والتي يجد الجسم صعوبة في معالجتها وتبقى العلاقة وطيدة بين العوامل الغذائية وانتشار بعض الأمراض، مثل السكّري من النوع الثاني وأمراض الضغط والشرايين وبعض أنواع السرطان.