الزهايمر بين النسيان والتذّكر.. طريق طويل

نضيرة نسيب

يفقد الشخص المصاب بمرض الزهايمر التوازن في بوصلته البيولوجية المتحكمة في شؤون حياته اليومية، وذلك نتيجة النسيان التدريجي والمتكرر لمعلومات أساسية بالنسبة له، فهناك من يصعب عليه تذكر اسمه أو طريق العودة إلى بيته، ممّا يجعله أمام إعاقة حقيقية تستدعي تسخير التكفل الشامل من طرف عدة اختصاصات طبية، نفسية واجتماعية. بالإضافة إلى هذا، يجب توجيه الاهتمام أيضا نحو باقي أفراد أسرة المريض الذين يعدون في حاجة ماسة للأخذ بيدهم عن طريق الكشف والعلاج المبكرين لهذا المرض بغرض التخفيف من حدة الضغط النفسي على المريض وعلى الأسرة كاملة في آن واحد، وهذا ما يركز عليه بالخصوص الأطباء المختصون في طب الأعصاب.

نحاول إزاحة بعض الغموض عن أعراض ومسببات مرض الزهايمر من أجل توفير المتابعة الصحية اللأزمة للشخص المصاب، من خلال الإجابة على مجموعة من الأسئلة تتردد كلها في أذهان عدد كبير من الأشخاص.

 

ليس كل نسيان يدّل على الإصابة بالزهايمر

 

أول سؤال يتبادر في ذهن الأشخاص يتمثل في كون النسيان من أهم العلامات التي تشير إلى إصابة الشخص بمرض الزهايمر، فهل يعد هذا العامل بمثابة عنصر كاف لتحديد الإصابة، وهل هناك أعراض أخرى للمرض تدل عليها؟

 للإجابة على هذا السؤال نعود إلى تعريف مرض الزهايمر المقدم من طرف الدكتور بولمكاحل ع. المختص في طب الأعصاب فهو يصنف الزهايمر عن طريق النسيان كمؤشر أولي، لكنه يبقى غير كاف لتشخيص الإصابة بالمرض، لأنه من الممكن أن يرتبط هذا الخلل في التذكر بأمراض عصبية أخرى سواء بمرض العته باركنسنس أو بالاختلال العقلي أو ربما بغيره، ويؤكد أنّ لهذا الغرض يستوجب عرض المريض على طبيب مختص في الأعصاب لفحص الحالة بصفة دقيقة بهدف تحديد نوعية المرض ولتفادي أيضا الخلط.  ويشير الطبيب هنا أيضا إلى أنّ النسيان يعد نتيجة طبيعية لمرحلة الشيخوخة العادية، ولكن يختلف الأمر في حالة الإصابة بالزهايمر، لأنّ المريض لا يتذكر أبسط المعلومات عن شخصه وعن حياته مثل اسمه وعمره وأسماء الأشخاص وموضع الأشياء من حوله، ويحدث لديه النسيان بصفة متكررة وتدريجية، كما يعجز في كثير من الأحيان عن تحديد مواقع الأماكن ـ التي كان يتعرف عليها في السابق بسهولة ـ  إلى درجة الإحساس بالقلق والتشتت الذهني المستمرين، واللذان يحدثان اضطرابا نفسيا لديه ولدى باقي أفراد عائلته وتقلب أعراض هذا المرض حياة المريض وعائلته رأسا على عقب، لاسيما وأنّ الشخص المصاب يصبح مثل الطفل الصغير الذي يحاول التعرف على أبجديات حياته من جديد، وعندما تتأكد لديه استحالة استرجاع المعلومات المفقودة ـ لأنها تمحى من ذاكرته كليا وإلى الأبد ـ ينعزل بالتدريج عن عالمه، ممّا يحتّم على المريض في هذه الوضعية الاستناد إلى الآخرين لقضاء أبسط حاجياته اليومية، ويصبح شخصا تائها على الدوام بفقدانه لتوازن بوصلته البيولوجية الخاصة.

   

الفرق بين النسيان الطبيعي ونسيان مرض الزهايمر

 

بخصوص كيفية التفريق بين النسيان الطبيعي الممكن معالجته والنسيان الخاص بمرض الزهايمر، يوّضح الدكتور بولمكاحل أنه توجد مجموعة من الطرق المستعملة للتشخيص بهدف علاج الإصابة بالمرض. ويستعمل المختصون الطريقة المثلى للتأكد من الإصابة بمرض الزهايمر، وهي تتلخص في استعمال استمارة تضمّ مجموعة من الأسئلة البسيطة والتي يطرحها الطبيب المعالج على المريض المصاب، وهي بمثابة اختبار خاص بمرض الزهايمر، يحاول المختص من خلال الإجابات المسجلة تحديد درجة الاسترجاع والتذكر للمعلومات لدى المريض والتي تمثل قدراته الذهنية، ويراعي في ذلك عاملي السنّ والمستوى العلمي.

 فإذا تحصل المريض على نقطة تقل عن العدد 22  تتأكد لديه الإصابة، ولكن لا يتوقف التشخيص عند هذا الحد، بل يستدعي الأمر في هذه الحالة إجراء فحص معمّق باستعمال الفحص الإشعاعي الخاص بالدماغ السكانير أو الإريام. 

وتتحدد الإصابة بمرض الزهايمر في حالة ما اتضح ـ من خلال الصور الشعاعيةـ وجود خلل وضمور يشكل انكماشا في الفص الصدغي، على مستوى منطقة الدماغ لدى المريض، عندها يتوجب الإسراع في وصف العلاج لهذا المريض. 

 

الكشف المبكر عن أعراض الزهايمر يساعد في العلاج

 

يصيب مرض الزهايمر عدد من الأشخاص المسنين بكثرة في بلادنا، من المهم معرفة كيف تكون الوقاية من هذا المرض لحماية هذه الشريحة بالذات، وهل هناك إمكانية شفاء المريض من هذا الداء؟ وللإجابة على هذا السؤال، يقول المختص في طب الأعصاب أنه يمكن ملاحظة بعض الأعراض الأولى والتي تظهر تدريجيا لدى الأشخاص المصابين بالزهايمر قبل سنوات عديدة من اكتشاف المرض لديهم أو لدى حالات وراثية قليلة جدا، غير أنّه لا يمكن التأكد من الإصابة في كثير من الأوقات سوى في سن متأخرة، أين يصبح الشخص غائبا ذهنيا بصفة كلية ونرى ذلك بوضوح، من خلال الحالات الظاهرة للعيان لدى فئة الشيوخ، ممّا يجعل العلاج صعبا وغير مجد في هذه المرحلة العمرية بالذات، وينصح المختص بتناول الدواء اللازم دون تأخير ذلك، عند التأكد من المرض وبالخصوص في مرحلة مبكرة من الإصابة لاجتناب تعقد الحالة المرضية لدى المصابين. 

 

يمسّ فئة المسنين بنسبة كبيرة 

 

تحتاج فئة الأشخاص المسنين والذين هم في حاجة لرعاية خاصة، لأخذ العلاج على مدى الحياة، ممّا يصعب التكفل بالمرضى من طرف الأسرة البسيطة، وبالخصوص لدى الفئة التي لا تتمتع بتغطية لدى الضمان الاجتماعي. ويصيب هذا المرض في حالات نادرة بعضا من الأشخاص في عمر الأربعين والخمسين، أما باقي الحالات فتتراوح أعمارهم ما بين 60 و 80  سنة. ولعلمكم أيضا يبقى العدد في تزايد سنويا على المستوى الوطني، هذا ما يضع التوعية والوقاية في الواجهة من أجل تجنّب مخلفات مرض الزهايمر على الصحة النفسية للمريض في حدّ ذاته وبالنسبة إلى كافة أفراد المجتمع المحيطين به ككل.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024