مرض الفراشة.. الإعاقة المَخفية

عبد الرحمان ومقـدودة.. وجهـان لإصابة واحــدة

استطلاع: نضيرة نسيب

 في هذا الاستطلاع تعرض جريدة «الشعب» عينتين لمصابين في عز شبابهما  يحملان إعاقة مخفية، يصارعان عوارض المرض وعواقبه الاجتماعية الثقيلة التي تجعل من مستقبلهما كأفراد في المجتمع وجهين لعملة واحدة لا يتشابهان إلا في إصابتهم ويختلفان في مستقبل يبقى دائما مجهولا.. لأن من بين الإعاقات الجسدية التي تصيب الأشخاص تلك التي تكون أسبابها مرضية بحتة، ففي غالب الأحوال يصنف مرض انحلال الجلد الفقاعي الذي  يحمل أيضا تسمية مرضى الفراشة لهشاشة جلدهم من بين الإعاقات المخفية التي تتعب صاحبها وترهقه ولا تعرف اجتماعيا لتبقى ضمن الأمراض المناعية النادرة ذات الإعاقة المخفية.



عبد الرحمان.. الأمل المنزوع

  تعرفت «الشعب» على عبد الرحمان، لأوّل مرة، وهو طفل لا يتجاوز العشر السنوات ويقطن بإحدى الأحياء الشعبية بالجزائر العاصمة، خلال ملتقى يخصّ الأمراض النادرة، وعاودت مرة أخرى زيارته في بيته رفقة والديه وإخوته في عمر الثانية عشر. وبتاريخ شهر فيفري من سنة  2015 ، قام والديه بدعوتنا  حينها جمعا عددا كبيرا من الوثائق والصور المرافقة لملفه الطبي، وكان لقاؤنا في الغرفة الوحيدة والصغيرة التي كان يتقاسمها جميع أفراد العائلة، وهي يومها مثلت جزءا من بيت عائلي تقطنه أسرة أخرى من نفس العائلة.  اجتمعنا معهم في ذات الغرفة الضيقة والدافئة، كانت تبدو لنا واسعة، وهي لا تتعدى مساحتها مساحة السرير والخزانة ولا يوجد فيها مكانا لوضع بضع خطوات، صحيح أنه يقال أن «الضيق في القلوب»، فبالرغم من ذلك كان الأمل والفرحة يملآنها، لأن عبد الرحمان حقق يومها نتائج جيدة في المدرسة، وكان يبدو كتوما لا يتكلم إلا مطأطئا الرأس ومبتسما، وقد غُلفت يداه ورجلاه كلية بضمادات لحماية جلده المملوء بالفقاعات من أي خدش أوحدوث ونتوءات أوجروح على مستواها قد يكون بإمكانها أن تتسبب في المزيد من الألم لديه. هذا الطفل المتألم الصامت والصامد، حدثنا حينها عنه والداه مطولا وعن كل ما يؤرقهما ويخص ولدهما الصغير من متاعب ومشقة يومية، وعن كل الحاجيات الضرورية التي تمثلت في الجري وراء الحصول على مساعدات لأشخاص يتكفلون بتوفير العلاج اللازم لاستقرار الحالة الصحية من مراهم باهظة الثمن تعالج الحروق والتورم الجلدي، وكل هذا لا يسمح بتوفيره مطلقا بالنظر للوضعية الاجتماعية للعائلة، حيث أصبح البحث المستمر عن ضمادات معقمة ومستلزمات يومية لتنظيف الجلد لا ينتهي، لأن عبد  الرحمان يحتاج لتغييرها يوميا حتى لا تتقرح الجروح وتتضاعف الإصابة لديه. واليوم مرة أخرى حاولنا نقل معاناة عائلة عبد الرحمان لمرة  ثالثة تواصل جريدة «الشعب»، فيها تتبع حالة عبد الرحمان وهو عبارة عن عينة من المجتمع تمثل وضعية المرضى المصابين بمرض نادر مثل انحلال الجلد الفقاعي لنقل ما تعانيه هذه الفئة من مشاكل صحية واجتماعية، فبعد أن بلغ عبد الرحمان عمر 17 سنة تغيرت طموحاته وللأسف هذه المرة  أخبرنا أنه ترك مقاعد الدراسة، لأنه لم تتوفر لديه الوسائل اللازمة لمتابعة دراسته بانتظام، ولاحظنا بأنه يتألم لحاله عندما صارحنا بذلك، قائلا إن هناك من المعلمين والمعلمات من لم يتقبلوا وضعيته ورفضوا مساعدته، علما أن هناك ظروف استثنائية للمرض ففي بعض من مراحله تأتي أيام لا يمكن لعبد الرحمان التنقل إلى المتوسطة ولا يمكنه استعمال يديه نظرا لتآكلها نتيجة التقرحات الجلدية التي تتحول إلى حروق جلدية مؤلمة، ولهذا السبب تعذر عليه إيجاد شخص في المدرسة يتولى مهمة الكتابة في مكانه. وبقي كذلك إلى أن تدهورت نتائجه الدراسية في بعض المواد التي لم يتلق فيها المساعدة خلال الامتحانات والتي في الأصل حق من حقوقه، كان يجب أن تقدم له.
 وبالرغم من رسوبه الدراسي الناتج عن حالته الصحية وظروفه الاجتماعية إلا أن عبد الرحمان يملك من العزيمة التي لا تقهر وهو اليوم  يمارس هوايته في البيت والتي تتمثل في تعلم كيفية عمل فيديوهات تخص الألعاب الإلكترونية ويقوم بنشرها في قناة يوتوب  خاصة قام بفتحها وبذلك يطمح لمن يساعده في تحويل هوايته التي تنسيه ألمه إلى حرفة يمتهنها حتى يرجع أمله المنزوع.
    
 مقدودة .. الأمل المزروع

  مقدودة شابة من ولاية تيزي وزو، في عمر الزهور، تبلغ من العمر28 عاما، متفتحة بقدر تفتح أفكارها ونفسيتها، وهي تبدو منشرحة ومبتسمة طوال الحديث إليها، عندما التقتها «الشعب» بإحدى غرف مستشفى من مستشفيات العاصمة في سنة  2017  كانت مجالستها متعة لا مثيل لها بالرغم من ضعفها الجسدي وهشاشة جسمها، لأنها تعطي من قوّة روحها البسيطة عنفوان من البهجة والسرور لمن يرافقها بالرغم من معاناتها اليومية مع مرض، أطلق عليه مرض الفراشة، وهو نفس المرض النادر الذي أصاب عبد الرحمان، ولدت وهي مصابة بنفس الإصابة النادرة،  التي تسمى مرض انحلال الجلد الفقاعي أو ما يطلق عليه بمرض الفراشة، لأن الجلد المصاب  يتعرض لتسلخ يشبه الحروق.
 بالرغم من بعض علامات الإعاقة التي تركها المرض على جسدها،  إلا أن روحها الخفيفة تطغى عليها وبالكاد تلاحظ، فالشابة مقدودة تقول إنها تتحدى المعاناة والضغوطات الناتجة عن التعقيدات الصحية التي يتسبب فيها مرضها وتتحملها وهي في كل مرة تقوم بمواجهتها وتستمر في مكافحتها مع الوقت  حتى تتلاشى  لفترات بفضل مساعدة كل أفراد عائلتها الذين كانوا كلهم إلى جانبها ويساعدونها ويشجعونها على القيام بكل الأشياء التي تطمح إليها ولا يشعرونها أبدا بأنها فتاة مختلفة، ومن بين ما استطاعت أن تحققه «مقدودة» هو مواصلة الدراسة التي كانت فعلا أملها «المزروع» حيث تضيف أنها وجدت في أصدقائها ورفاقها في الدراسة يد العون فلم يبخلوا عليها لتصل إلى ما هي عليه اليوم حيث تمكنت بالرغم من المصاعب التي فرضتها عليها إصابتها فاستطاعت أن تتحصل على شهادة ليسانس واقتصاد فبفضل المحيطين بها ارتفعت معنوياتها وتحسنت وضعيتها ومستواها الدراسي لتحاول اليوم بناء مستقبلها الذي تحلم به في مواصلة دراستها العليا إذا سمحت لها الظروف الصحية بذلك.    

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024