عـــدد المتبرعــــين تراجع سنـة 2020 بـ13٪
تعالت نداءات الاستغاثة من المستشفيات في ظل الأزمة الصحية التي تعيشها بلادنا، فبالإضافة إلى استنجاد المؤسسات الاستشفائية بالمواطنين لمد العون إلى الحكومة من أجل احتواء أزمة نقص الأكسجين التي تعرفها جل مستشفيات الوطن وهذا بجمع التبرعات لاقتناء مكثفات ومولدات الأكسجين وتوفير هذه المادة الحيوية التي تتوقف على وجودها حياة إنسان.
الدم لا يقل أهمية عن الأكسجين في إنقاذ حياة مريض، حيث تعاني المستشفيات من نقص مقلق في هذا المكون الحيوي، بسبب تراجع في عدد المتبرعين في السنتين الأخيرتين ويرجع ذلك إلى تخوف هؤلاء من تداعيات فيروس كورونا واحتمال نقل العدوى أثناء عملية التبرع بالدم. إلى جانب غلق الفضاءات المخصصة لهذه العملية، جراء قرار الحجر الصحي الذي اتخذته السلطات العمومية من أجل منع تفشي الوباء.
تراجع عدد المتبرعين بالدم، بحسب آخر إحصائيات الوكالة الوطنية للدم، حيث سجلت هذه الأخيرة، سنة 2020، تراجعا بـ13٪ مقارنة مع سنة 2019، فبعد أن كانت الجزائر تسجل أرقاما فوق المعدل العالمي المطلوب من حيث عدد المتبرعين بالدم، تقدر بـ14 متبرعا لكل 1000 شخص، في حين متوسط المعدل العالمي يقدر بـ10 متبرعين لكل 1000 نسمة.
في هذا الإطار، تم جمع 570 ألف كيس من الدم، العام الماضي، حيث قارب عدد المتبرعين 700 ألف مواطن، 38٪ منهم، أي ما يعادل 200 ألف متبرع هم من أقارب المرضى. وفيما يخص هذه النقطة، عبر المكلف بالإعلام لدى الوكالة الوطنية للدم، الدكتور سفيان كري، في اتصال هاتفي ليومية «الشعب» عن أمله في أن يكون التبرع بالدم عملا يقدم عليه المتبرع بدافع إنساني نبيل وليس بدافع الروابط العائلية. فإن كنا اليوم متبرعين فهذا لا يستثني احتمال أن نكون غدا من المحتاجين لقطرة دم. فالمرض ليس باللباقة التي تجعله يستأذن قبل اقتحام حياتنا، بل له من القسوة ما يجعله ينهيها دون إعطائنا مهلة لتوديعها.
تطبيق إلكتروني لحجز المواعيد
وبالنسبة لعدد المتبرعين المنتظمين بشكل دائم فقد قدر بـ22٪، ما يعادل 120 ألف مواطن، يقومون بالتبرع بالدم دوريا ما بين ثلاث إلى أربع مرات في السنة. والجدير بالذكر في هذا الصدد، أن مراكز حقن الدم قد وضعت تحت تصرف المتبرعين تطبيقا إلكترونيا، هو الأول من نوعه وطنيا ومغاربيا، يهدف إلى استقطاب جيل جديد من المتبرعين النظاميين، من خلال حجز مواعيد مسبقة، تتماشى وأوقات فراغهم وبرنامجهم اليومي، كما يمكنهم من الاطلاع على نتائج تحاليلهم مسبقا. حيث يضمن التطبيق الجديد المزيد من التنظيم لعمليات التبرع بالدم، إلى جانب ضمان السرية والخصوصية فيما يخص البيانات الشخصية للمتبرع.
ندرة الأكياس في رمضان وموسم الاصطياف
فيما يخص معادلة العرض والطلب التي يخضع لها الدم، أوضح الدكتور كري، أن منحنى كمية هذا الأخير، يعرف ارتفاعا في الطلب، خاصة من طرف النساء الحوامل وجرحى حوادث المرور التي تصل هي الأخرى ذروتها في فصل الصيف وانخفاضا في الكمية المحصل عليها من المتبرعين في شهر رمضان من كل سنة وفصل الصيف وهما ما تعرفان بفترتي الذروة. ففي موسم الاصطياف تشهد كمية الدم المتوفرة عبر مراكز حقن الدم 240 المتواجدة عبر التراب الوطني تذبذبا فيما يخص الوفرة والطلب، بحكم الطبيعة الاجتماعية للمواطن الجزائري الذي يقضى عطلته الصيفية خارج ولايته أو بأماكن الاصطياف ما يجعله لا يفكر في التبرع بالدم أثناء عطلته.
غلق فضاءات التبرع بسبب الموجة الثالثة
وكان لهذه السنة خصوصية تزامنها مع الموجة الثالثة لجائحة كورونا، يضيف الدكتور كري، ما تسبب في غلق العديد من المرافق التي كانت تخصص لاحتضان حملات التبرع بالدم.
فمعظم المناطق المخصصة عادة لاستقبال المتبرعين، تكون مغلقة خلال هذه الفترة، كالجامعات، المؤسسات، مراكز ودور الشباب، إضافة إلى استفادة مستخدمي المؤسسات العمومية وحتى الخاصة من حقهم السنوي في العطلة الصيفية.
ويرى محدثنا، أن التبرع بالدم عمل تطوعي، إنساني وحضاري، لا يقتصر على المواسم والمواعيد السنوية، كاليوم المغاربي للتبرع بالدم المصادف لـ30 مارس من كل سنة واليوم العالمي للتبرع بالدم المصادف لـ14 جوان من كل سنة، حيث يمكن التبرع ثلاث أو أربع مرات في السنة، مع التحفظ على ضرورة توفر بعض الشروط في المتبرع ومن أهمها توفر السن القانونية، حيث تحددها القوانين العالمية بـ18 سنة فما فوق، اللياقة البدنية، السلامة من بعض الأمراض المزمنة وعدم تعاطي أدوية محددة (يتم إحصاؤها على مستوى مراكز حقن الدم)، إلى جانب عدم إصابة المتبرع بأحد الفيروسات التي يتم انتقالها عبر الدم. وكذا خلو الجسم من أي وشم، وهو الأمر الذي لا تخلو منه أجسام العديد من شباب هذه الأيام.
تدابير احترازية من أجل عملية آمنة
ولمضاعفة الإجراءات الاحترازية من أجل التصدي للفيروس وضمان سلامة عملية التبرع بالدم من إمكانية التأثر بفيروس كورونا، تم إنشاء لجنة خبراء من مختلف التخصصات، في شهر مارس 2020، برئاسة المديرة العامة للوكالة الوطنية للدم، الدكتورة ليندة ولد قابلية، تضم مختصين من معهد باستور، مختصين في الأمراض المعدية ومختصين من مراكز حقن الدم، لأخذ تدابير احترازية إضافية، علاوة على تلك التي كانت تتخذ في الظروف العادية، لضمان سلامة المتبرع، المريض والطاقم الطبي وشبه الطبي القائم على العملية.
وفي هذا الصدد يطمئن المكلف بالإعلام للوكالة الوطنية للدم، المتخوفين من التبرع بالدم، انه لا يوجد أي احتمال لانتشار عدوى فيروس كورونا أثناء عملية التبرع، حيث أثبتت البحوث والدراسات العلمية، أن هذا الأخير لا ينتقل عبر الدم. ودعا المواطنين إلى الاستجابة إلى حملات التبرع بالدم المكثفة التي تنظمها الوكالة، بالتنسيق مع مختلف الشركاء من المجتمع المدني، الهيئات الوزارية على رأسها وزارة الشؤون الدينية والأوقاف والمؤسسات العمومية والخاصة، مثل المديرية العامة للأمن الوطني، سونلغاز، موبيليس، من خلال كل مديرياتها الجهوية عبر كل التراب الوطني من اجل تعميم العملية وضمان تزويد المستشفيات بالدم، كمادة حيوية لا بديل عنها ولا توجد هناك أي تكنولوجيا تسمح بتصنيعه.
حياة مريض متعلقة بكيس دم
ويواصل الدكتور كري موضحا أن حياة العديد من المرضى مرتبطة بهذه المادة الحيوية، من بينهم المصابون بأمراض الدم المزمنة مثل مرض «بيتا تلاسينيا» وهو مرض قفر الدم الوراثي، يتطلب المصاب به حقن الدم، دوريا وبصفة منتظمة، في حالة غياب حقن هذا الأخير تحدث مضاعفات يمكن أن تؤدي إلى الموت. إلى جانب مرضى السرطان الذين يعانون من مضاعفات العلاج الكيميائي الذي يؤدي إلى نقص الصفائح الدموية التي تلعب دورا في تخثر الدم ومنع النزيف.
وما يجعل عملية التبرع بالدم مصيرية، ضمان استمراريتها وضمان انتظامها، إنقاذ العديد من الأرواح، عملا بمبادئ وتعاليم ديننا الحنيف. خاصة إذا علمنا أن مكونات الدم الثلاثة، لكل منها مدة حياة مختلفة عن الأخرى، فمدة صلاحية الصفائح الدموية المطلوبة بكثرة من طرف مرضى السرطان لا تتعدى الخمسة أيام، في حين تصل مدة الصلاحية القصوى للكريات الحمراء إلى 42 يوما. حيث تعمل مراكز حفظ الدم على جمعه وتجزئته إلى مكوناته الثلاثة، مركز الكريات الحمراء، مركز الصفائح والبلازما ثم توزيعها حسب الحاجة على المستشفيات بعد إخضاعها إلى سلسلة من التحاليل التي ينص عليها القانون وهي تحاليل l’Hépatite B ، l’Hépatite C،، السيفيليس وفيروس الإيدز.