في ثقة موصولة بكلمات موزونة محسوبة، وهدوء ممزوج بمكنونات تبعثرت في انتظام ممنهج، وأخرجت من بين جنباتها عبارات تحدّثت بها المختصة في علم النفس العيادي، وصاحبة أول مركز للعناية بالموهوبين في الجزائر، البروفيسور نعيمة بن يعقوب إلى «الشعب»، وفتحت قلبها وقالت في حديث الأكاديمي والباحث المتعطش للاستزادة والاغتراف من بحور المعرفة والعلوم، أن مناها اليوم أن تهتم بما تحمله من ثقل المسؤولية تجاه تلك الشريحة الهشة والحساسة، وذاك هو عيدها اليوم وغدا وللأبد.
بداية المشوار...الجدة الملهمة
تبدأ الحكاية عن مسارها وتقول الأستاذة بن يعقوب نعيمة، أنها استلهمت من جدتها الوقورة وصاحبة الهبة والرهبة والاحترام، وقودا لها، شجعتها على أن تدرس وتتألق في دراستها وتواصل مسارها التعليمي ولا تتوقف، خاصة وأنها لم تكن تنقصها الموهبة والإرادة وحماسة حب أن تكون الأولى والأولى وفقط، ولم تشك في قدراتها وظن جدتها فيها، واستطاعت أن تصل وتحقق النجاح عبر مشاوريها المتتالية، وكانت تؤكد أنها كلما وصلت إلى مرحلة ما، شعرت بأن فيه من يدفع بها إلى التقدم أكثر، ولم يكن ليوقفها أو يثبط من عزمها وعزيمتها أي عائق أو أي شخص، وقطفت ثمرة ما أرادت وحازت على شهادة نهاية التعليم الثانوي بجدارة، وفُتحت أمامها الأبواب وكانت الانطلاقة الجديدة.
البكالوريا والأستاذية...الحلم والحب الأول
تعود في طفرة حديث وتقول الأكاديمية نعيمة بن يعقوب، بأن حلمها وهي العاشقة الولهانة لكتب القصص والأدب العالمي،والأبطال وحروب الحق والباطل والخير والشرور، وخط الخواطر وقرض الشعر في الوطنيات والخيال والحب، أن تصبح «طبيبة» تداوي المرضى وتنظر في أسقامهم، وتجد لهم الترياق حتى تبعد عنهم ألم المرض والأوجاع، لكن القدر والأقدار شاءت أن تنقلب ضد رغبتها، وتدير شراع الأمنيات نحو تخصص لم يكن من اهتماماتها الأولى، لتجد نفسها بين تخصص «علم النفس العيادي»، لم يكن من بد سوى الرضا بقدرها، ولأنها كما قالت لا تؤمن بالمستحيل أو الخوف ولا التردد، عزمت ونجحت وتفوّقت واحتلت المراتب الأولى بين أقرانها، بل وزادت وقطفت بقية الشهادات، وكانت آخرها «درجة الأستاذية»، وبذا حققت حلمها المرحلي ونالت درجات حب وعشق للمعرفة والعلوم.
الموهوبون استوطنوا قلبي وأصبحوا جزءاً منّي
لم يتوقف عطشها في البحث والزيادة من بحور العلم، وأدمنت على ذلك وكلما توصلت إلى مرحلة كما قالت: «أشعر بأنها البداية، وصار معي مثل العطشان الذي أراد أن يروي عطشه من ماء البحر، ولكن هيهات، مع كل مغرفة يزيد العطش، وكان شغفي وتعلّقي بـفئة شعرت بأنها قطعة مني، كانت تلك الحلقة القطعة هي شريحة من نوع خاص ونادر وثمين، يوزن بالمعدن النفيس ولا تجد له قيمة أو ما يعادله، هي الموهوبون ، تعمّقت معهم وأصبحوا جزءا مني فعلا، وأنشأت جمعية تحويهم وتحتويهم، وأصبحت أنادي في المحافل بالاهتمام بهم، في الجزائر وخارج وطني حتى أطلقوا عليّ لقب أمّ الموهوبين، بعد أن كانت عائلتي تلقّبني بـ «ما عنديش الوقت» ووالدي بلالة فاطمة أنسومر، وهي ألقاب لا زلت أعتز بها، وأمنيتي وأملي الاهتمام بهذه الثروة و رأس المال البشري، وبذلك سيكون هدية كل أعيادي، وسأكون أسعد الناس ولن أزيد».