لم تكن المرأة الفلسطينية في منأى عن التضحية والفداء، لقد تعرّضت كركن أساسي في المجتمع إلى سلسلة من النكبات وحالات الفقدان على مدى سنوات الاحتلال الطويلة، فلم تسلَم المرأة الفلسطينية من حالات القتل، الاعتقال، الإصابة، هدم المنزل والتشريد، عن فقدان الزوج أو الأخ أو الأب أو الأبناء أو جميعهم معاً.
وتعزّزت هذه الانتهاكات والممارسات اللاّإنسانية التي كانت لها آثارها السلبية بأوجهها المختلفة خلال انتفاضة الأقصى، فمع تصاعد الحملة الصهيونية المضادة لكل ما هو فلسطيني فوق هذه الأرض المباركة، كانت المرأة الفلسطينية أكثر المتضرّرين كونها الأم، الزوجة، والأخت، الابنة...حتى أنّه بات من النادر أن تجد امرأة فلسطينية لم تفقد زوجاً أو ابناً أو أخاً شهيداً كان أو أسيراً داخل السجون الصهيونية أو جريح. وليت الأمر يقف عند هذا الحد بل بتنا نذكر العشرات بل المئات من النّساء اللّواتي استشهدن أو تعرّضن للاعتقال والتعذيب دون أن يفت ذلك في عضدهن أمثال الأسيرة المجاهدة «منى قعدان» التي تعرضت للاعتقال عديد المرات، والأسيرة المجاهدة «أم إبراهيم السعدي» التي قدّمت نجليها المجاهدين التوأمين إبراهيم وعبد الكريم من سرايا القدس شهيدين في سبيل الله، وتعرّضت وزوجها وأبنائها للاعتقال ومازالت خلف القضبان، وبالإضافة إلى الأسيرة المجاهدة «لينا الجربوني» عميدة الأسيرات التي مازالت تعاني الألم والويلات في سجون الظلم الصهيونية.
وفي استعراض سريع لبدايات العمل الجهادي للمرأة الفلسطينية، كانت المجاهدة «عطاف عليان» من سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، عندما حاولت في جويلية 1987 تنفيذ عملية استشهادية بسيارة مفخّخة في القدس المحتلة، إلا أن العملية لم تنجح لتعتقل على إثرها وتصدر ضدّها أحكاما مجموعها 15 عامًا قضت منها 10 سنوات في السجون الصهيونية، ولازالت حتى يومنا هذا تعاني اضطهاد بني صهيون.
وظل حلم الاستشهاد يراود النساء الفلسطينيات إلى أن قامت «وفاء إدريس» 26 عاما بتدشين هذا الموكب البهي خلال انتفاضة الأقصى، حيث نفّذت عمليتها في مدينة القدس يوم 28 جانفي 2002، فقتلت أحد الجنود وجرحت مائة وأربعين آخرين، ثم أعقبتها «دارين أبو عيشة»، 21 عاماً التي نفّذت عمليتها في حاجز عسكري صهيوني شمال الضفة الغربية في 27 فيفري 2002 م، وهو ما أدى إلى إصابة 3 جنود صهاينة.
وجاءت «آيات الأخرس» 18 من مدينة بيت لحم لتنفّذ عمليتها في 29 مارس 2002 بأحد أسواق القدس الغربية، ممّا أدّى إلى مقتل صهيونيين وإصابة العشرات. ثم نفّذت «عندليب طقاطقة» من مدينة بيت لحم عمليتها يوم الجمعة 12 أفريل 2002 في القدس، وأسفرت عن مقتل ستة صهاينة، وإصابة 85 آخرين. أما «هبة عازم دراغمة» 19 عاماً ابنة «طوباس» من سرايا القدس، فقامت بتفجير جسدها الطاهر في مدينة العفولة شمال فلسطين المحتلة يوم الإثنين 19 ماي 2003، ممّا أدى إلى مقتل ثلاثة جنود صهاينة وإصابة العشرات كأول عملية استشهادية نسائية تنفّذها سرايا القدس. وتلتها «هنادي جرادات» نفّذت عملية نوعية قتل فيها نحو 20 صهيونياً، وجرح أكثر من مائة حين فجّرت نفسها بتاريخ 4 / 10 / 2003، في مطعم بحيفا. وفي يوم الأربعاء الرابع عشر من يناير، كانت أم فلسطينية اسمها ريم الرياشي، فجرت جسدها الطاهر في قلب معبر «ايرز الصهيوني»، وقد أعلن العدو الصهيوني مقتل أربعة من جنوده، والاستشهادية مرفت سعود 22 عاماً من سرايا القدس فجرت جسدها الطاهر وسط جنود العدو ببلدة بيت حانون أثناء اجتياح الاحتلال لها، وأطلقت عليها السرايا عملية انتقام الحرائر وأسفرت عن مقتل وإصابة عدداً من الجنود الصهاينة، ثم جاءت عملية الحاجة «فاطمة النجار» 58عاماً أول جدة استشهادية تفجّر نفسها وسط جنود صهاينة.
وهكذا تمضي المرأة الفلسطينية قدماً بعطائها اللاّمحدود أسوة بأخيها الرجل على مذبح الحرية والفداء.