تصنع أناملها أعمالا رائعة منذ ما يقارب الـ 51 سنة كالجبة القبائلية التي ترتديها النسوة بكل فخر واعتزاز، لأنها تحمل نقوشا ورموزا مستوحاة من تراث وتاريخ منطقة عين الحمام بتيزي وزو أين تربّت وترعرعت. إنّها زهية محرز السيدة التي صقلتها الظروف الصعبة والقاسية لتتفجر إبداعا في مجال الخياطة التقليدية والطرز.
تحدّثت محرز زهية لـ «الشعب» عن بدايتها في مجال الخياطة والألبسة التقليدية قائلة:
«بدأت الخياطة وأنا ما أزال في عمر الطفولة، لا يتجاوز سني الـ 13 سنة بسبب الظروف القاسية التي كنت أعيشها، والتي أجبرتني على امتهان هذه الحرفة لكسب رزقي، عندما داعبت الإبرة يداي الصغيرتان شعرت بثقل المسؤولية الملقاة على عاتقي، ووجدت فيها عبئا على كاهلي الصغير في مرحلة لا يزال فيها أقراني يلعبون
ويمرحون».
بعد استشهاد والدها، اضطرت والدتها الى العمل في مجال الخياطة من أجل إعالة أفراد العائلة، وقالت زهية في هذا الصدد: «قصّتي مع الجبة تعود إلى سنوات الطفولة، عندما كنت أرى والدتي تعمل المستحيل من أجل تربيتنا في تلك الظروف الصعبة
والقاسية، كلما استرجعت تلك الصور أشعر بمرارة وألم لانها كانت تعمل باستمرار من أجل ضمان لقمة العيش، فحاولت التخفيف من معاناتها بالتمرن على هذه الحرفة، حيث قمت بتقطيع أحد فساتين والدتي البالية
وإعادة تفصيلها وخياطتها».
وأضافت السيدة زهية محرز قائلة: «مع مرور الزمن أصبحت هذه الحرفة لا تفارقني يوما بل تحولت إلى أقرب شيء في حياتي، لأنها حقا كانت تساعدني في رفع الغبن عني وتخلصني من همومي، وتشعرني بالراحة والأمان. وبعد 51 سنة من ممارسة خياطة الملابس التقليدية استخلصت أنها كانت سببا في الاعتماد على نفسي في سن مبكرة، وإعالة عائلة متكونة من عدة أفراد».
بعد تجربة دامت خمسة عشرة سنة، فتحت زهية محرز ورشتها الخاصة التي أطلقت عليها اسم ابنتها «مايا»، وهي تعمل فيها برفقة أبنائها ما سمح لها بالمشاركة في العديد من المعارض الوطنية، وسمح لها ذلك الاطلاع على كل ما هو جديد في مجال الخياطة والطرز في مختلف ولايات الوطن، ما جعلها تفكر في إدخال بعضها على اللباس القبائلي الذي يتميز بألوانه الزاهية وخطوطه المتنوعة.
وتعتمد زهية محرز في عملها الإبداعي على أقمشة عديدة مطروزة بخيوط حريرية، تصنع منها «المحرمة» التي توضع على الرأس و»الفوطة» التي تشدها المرأة بحزام على الخصر يسمى «أقوس نلفوضة»، ويعد رمزا لاحتشام المرأة وعفتها، بالإضافة إلى الجبة (ثاقندورث لقبايل) التي تعتبر من الألبسة التقليدية التي تتوارثها العائلات في عين الحمام بتيزي وزو، إذ تحرص كل عائلة على تعويد بناتهن منذ الصغر على ارتدائها، «وهذا ما أقوم به أنا أيضا من خلال ممارستي لهذه الحرفة والاستمرار فيها،
وما شجعني أكثر أن سكان المنطقة لا يزالون يحافظون على هذا الزي الذي يعكس ثقافة المنطقة، وهو يتكون من ثلاث قطع أساسية ليكون كاملا، فهناك الجبة المصنوعة من قماش حريري (اليمان) مزخرف بنقوش ورموز تراثية قديمة مستوحاة من التراث، وتطرز هذه الجبة بخيط حريري خاص لخيط الحنة، وتزين بأكثر من عشرة ألوان زاهية تعبر على الفرحة والبهجة في الأفراح وشتى المناسبات السعيدة كالأعياد وغيرها»، تقول محدثتنا، مشيرة بأن ألوانها مستوحاة من الطبيعة كالبرتقالي، الأصفر، الأحمر والأخضر وغيرها من الألوان، بالإضافة إلى الأشكال الهندسية التي تصنعها خيوط «الزقزاق» المصنوعة من القطن الخالص الممزوج بعدة ألوان، فهي أشكال تعطي صورة جميلة عن الجبة القبائلية، أما المحرمة فتكون باللون الأسود توضع على الرأس كدليل على السترة، غالبا ما ترتديها الكبيرات في السن.
والأهم من هذا وذاك كما أضافت زهية محرز، أن الجبة القبائلية عملية ومريحة للنسوة أثناء جلبهن للماء من الينبوع أو القيام بسائر الأعمال المنزلية، بل أكثر من ذلك أصبح مثل هذا اللباس لا يقتصر على منطقتي تيزي وزو وبجاية فقط بل ترتديه النساء في معظم ولايات الوطن.
وبشأن الصعوبات التي واجهتها السيد زهية محرز طيلة مشوارها المهني، قالت أنها تتمثل في الذهنيات التي تحد من نشاط المرأة
وتحول دون تحقيق طموحاتها، وكذا المشاكل التي تعانيها في تنقلاتها إلى ولايات الوطن، خاصة الجنوبية بسبب طول المسافة وصعوبة المناخ فيها.
وصفت زهية محرز مسيرتها بالثرية لأنها صمّمت العديد من الملابس التقليدية للمنطقة، أدخلت السعادة على الكثيرات من النسوة، وقالت أن الإصرار والعزيمة والمثابرة تجعل كل حلم حقيقة توصل صاحبه الى النجاح، «فبعدما رأيت الورشة التي تمنّتيها تجسّدت على أرض الواقع، آمنت أن العمل يجعل كل شيء ممكنا».
وأكّدت أنّ الطريق لم ينته بالنسبة اليها، فهي تفكر في جلب اليد العاملة ومواصلة مشوارها المهني بتطبيق أفكارها المبدعة على تصاميمها لجلب الزبائن، خاصة ممن يستهويهم الزي التقليدي الذي يعكس ثقافة المنطقة وتراثها الأصيل.
زهية محرز لـ «الشعب»
«علّمتني الحياة أنّ العمل بجدّ هو سرّ النّجاح»
آمال مرابطي
شوهد:1411 مرة