كثيرا ما يكون لقب «طيّابات الحمام» مرادفا لتلك المرأة سليطة اللسان التي لا يسلم أحد من ألفاظها البذيئة لذلك وعلى مدى أجيال كاملة ترسخ لدى الجزائري هذا «النعت» السيئ لكل امرأة لا تحترم نفسها ولا تضع حدودا لسوئها...الغريب أن المجتمع ربط هذه الصفة بالأمية، الجهل والمعاناة الاجتماعية بسبب أن أغلب النساء الممتهنات لها هنّ ضحايا طلاق أو وفاة أجبرتهن الظروف على الخروج إلى العمل، من أجل تأمين فتات المال لعائلاتهنّ التي غالبا ما يتخلى عنها الأقارب عند غياب رب الأسرة، لذلك يكون لسانها السليط كتعبير عنيف عن إدارة ظهر المجتمع لمسؤولياته تجاه تلك الحالات الإنسانية الهشة ما يجعلنا نعطي لذلك الغضب والهجوم على الآخر تفسيرا منطقيا- وإن كنت لا أبرر ما تفعلنه- للحالة النفسية السيئة التي تعيشها.
العجيب أن «طيّابات الحمام» اليوم تخلصت من كلمة «حمام» لتتواجد في كل مكان و تكفي كلمة أو سلوك بسيط أو لنقل شعور بالريبة و الخوف لتُشهر السيدة القناع المخبأ وراء المستوى الدراسي والوسط الاجتماعي الذي تنتمي إليه لتتحول في اقل من جزء من الثانية إلى «طيّابة» تتفنن في التعبير عن ذاتها بسلوك منحط تترجمه كلمات لا ترقى لأن تكون وسيلة حوار أو أسلوب حديث وتعامل يفترض انه يمثل إحدى نساء النخبة، و لعله السبب للصورة النمطية التي يرسمها قصرا المجتمع للمرأة بأنها متسرعة ومتهورة واضعا إياها في خانة الأقرب إلى الجنون أو كما يتفنن في وصفها «مصابة بداء الكلب» .
الغريب في الأمر أن عقلية «طيّابات الحمام» تحررت من ظرف المكان المسمى «حمام» وليصبح تواجدها مرتبطا بكل محيط تستدعي ظروفه كشف الأقنعة لتتساوى في معادلة صعبة المرأة الأمية التي قهرها الزمن والمتعلمة، بين تلك التي تنتمي إلى بيئة اجتماعية مليئة بالآفات والانحرافات الأخلاقية وتلك التي تربت و ترعرعت في وسط اجتماعي صحّي....ليبرز هنا السؤال الأهم لماذا هذا الانحراف في النتائج الاجتماعية؟؟، فكيف لهاتين السيدتين أن تكونا واحدة في التعبير عن الغضب و «خوالج» النفس المتعبة؟، كيف لسيدة تعلمت وتلقت تكوينا علميا و معرفيا سليما تعمل في مكان معروف بتواجد النخبة أن تنحط بنفسها و ذاتها إلى مستوى «طيّابات الحمام» رغم أنني أثمن عملها في حمام لكسب لقمة العيش بدل التوجه إلى العالم السفلي من المجتمع، أين تهان المرأة و تبتذل بكونها مجرد سلعة تباع و تشترى.
في بعض الأحيان عندما أرى تلك الحالات الإنسانية الغريبة أشفق عليها لأنها عاجزة عن تحقيق التوازن العاطفي والنفسي داخلها لأنه ضروري لتجميع شتات الروح، ربما هو ألم دفين تُنفس عنه تلك المرأة بعقلية «طيّابات الحمام»، لأنها على قناعة تامة أن تلك الشخصية داخل المجتمع لها مكانتها الخاصة فعندما توجه لسانها نحو أي شخص لا يمكن لأي شخص آخر التدخل لإسكاتها لعلمه علم اليقين ان تدخله يجعل منه الهدف التالي لها، لذلك ترى الجميع ينتظرون في صمت انتهاء «إعصار» لسانها السليط ليعم الهدوء الأرجاء و تعود «طيّابة الحمام» إلى روتينها اليومي من «تكياس» و»دلك» وغسل وشطف.
ربما هو السر في انتشار عقلية «طيّابات الحمام» بين النخبة و المثقفون فهم يبحثون من خلالها عن صمت المجتمع عما يفعلونه من سوء تجاه الآخر، فالبذاءة تحتاج إلى «صحانية الوجه» لا يستطيعُها إلا من ملك في داخله ميلا فطريا إلى استصغار الآخر واحتقاره، لكن أن تكون المرأة النخبة أحد أسباب ترسيخ عقلية «طيّابات الحمام»، فهذا أمر مرفوض تماما لأنها تٌساوي بين الجاهل والمتعلم وتعطي صورة سيئة عن المرأة في محيط عملها، لأننا نعيش في مجتمع نمطي ما زال يؤمن أن المرأة أقل درجة من الرجل وإن أظهر العكس ولنا في مختلف التجارب التي نعيشها خير دليل فيكفي الواحد منا أن يركب سيارة ليرى أن أي مشكل في الطريق السريع سيكون تفسيره امرأة وراء المقود وان كان العكس هو الصحيح وهو ما تؤكده مختلف التقارير و الدراسات الأمنية...أسفي كبير على نفسٍ كان يمكنها أن تكون إحدى دعامات تحرير المرأة من كل الترّسبات الثقافية والاجتماعية التي تحصر تاء تأنيثها بين فتح وربط.