البروفسور نعيمة سعدية 

قصة نجاح مفعمة بالتضحية والصبر وحب الوطن

بسكرة: حمزة لموشي

 

 المعلم ضمير  والمتعلم أمانة... إذا ضاع الضمير ضاعت الأمانة

تعتبر البروفسور نعيمة سعدية، من بين أهم القامات الأكاديمية بالجزائر، نظرا لعطائها الفكري والأدبي وكذا المؤلفات النوعية التي أثرت بها المكتبة الوطنية، وهي كما تعرف بنفسها، في تصريح لجريدة «الشعب» بأنها، ابنة وأخت وزوجة وأم وأستاذة وباحثة، من عائلة بسيطة مجاهدة وثورية ولدت في بسكرة، أين تلقت تعليمها الأول في مدينة الفاتح الصحابي الجليل عقبة بن نافع، التحقت بجامعة محمد خيضر قسم الأدب العربي لتتفوّق وتنجح في الماجستير فالدكتوراه، ومنه الترقية إلى درجة أستاذ التعليم العالي بروفيسور سنة 2016.


أكدت ضيفة جريدة «الشعب»، الأستاذة سعدية، أن المرأة الجزائرية قادت قاطرة الحراك الشعبي منذ انطلاقه في 22 فيفري المنقضي، وكان لها حضورا دائما سواء على الصعيد العلمي أو السياسي، فما بالك وأنّ القضية تخصّ الوطن ملاذ الإنسان وعشّه، وبالتالي فوجودها حسب سعدية في ساحة الحراك ظاهر فهي لم تتأخر هتفت، وندّدت، وعبّرت عن رأيها بالصور مختلفة، وبصبغة مختلفة.
بحسب البروفيسور، المرأة بعد الاستقلال أدلت بدلوها سواء على المستوى العلمي أو العملي، فعملها ضاهى عمل الرجل وربما تجاوزه. فالمرأة خلقت مع الرجل لتشاركه في التجديد وهي عنوان التغيير، ولها المرأة أن تُسهم في إخراج الجزائر من الأزمة، ولكن كيف؟ تتساءل سعدية، رافضة الاستئثار لوحدها بالإجابة عن السؤال وتقديم الحلّ للمشكلة مكتفية بالقول، أنّ الفحلة الجزائرية حاضرة دائما عندما يتعلّق الأمر بنداء الوطن لتكون فاعلة في المجتمع.

الجزائرية عنوان للتغيير والحراك استكمل تحريرها مما تبقى من قيود

بحسب سعدية، فإن المرأة ودورها في الحراك الشعبي، ذو شجون، كونه مغيب بسبب تعمّد بعض وسائل الإعلام تضببيه، مقابل إبرازه في الانتخابات والتركيز على دورها في التعليم، وتستدل الأستاذة سعدية بخروج المرأة في هذا الحراك و«تحرّرها وكسرها ما تبقى من القيود»، مضيفة، أن المرأة  تجد نفسها أحيانا في صراع كبير من أجل إثبات الذات والعجب كل العجب أن تقف ضدها امرأة مثلها في فعل تتكاتف فيه مع الرجل المحب للتسلّط بحجة أن مكان المرأة الأساس هو الظل، وتاريخنا العربي والإنساني يزخر بنساء علمن المجتمع القوة والصبر، وأسهمن بقوة في القيادة والحكم وبناء المجتمع،مستغربة لهذا التراجع في مكانة المرأة ودورها في بناء المجتمع وكيف أصبحت انهزامية ترى مكانها في الظلّ.
وعن حياتها الشخصية فأوضحت أستاذة اللسانيات والأسلوبية وتحليل الخطاب، أنها تمارسها بشكل طبيعي، في البيت وخارجه شعارها في الحياة قائلة لنا: «لا أعرف خسارة في حياتي.. أقاتل .. أناضل.. أجتهد؛. إما أنجح أو أتعلم».. تجتهد لتقدم أفضل ما لديها في كل درس.. لا يهمها أن يفسد الآخر المهم أن تقوم بدورها في صورة مقبولة».
لها العديد من المؤلفات في مجال التخصّص- كتبا ومقالات - على غرار الخطاب والتحليل السيميائي، وكتاب الأسلوبية والنص الشعري - المرجعية الفكرية والآليات الإجرائية،  ولسانيات النص ـ المرجعيات المعرفية واستيراتيجية التلقي، ولسانيات النص والخطاب الشعري - دراسة في شعر محمد الماغوط، بلبنان، واستيراتيجية النص الأنموذجي، بسوريا، وعديد الكتب الجماعية بالجزائر وخارجها، والمقالات الوطنية والدولية.
حبّها للتأليف ساعدها كثيرا على تنظيم برنامجها والتوفيق بين التدريس والكتابة فلكل نكهته، - حسبها - ولكن عشقها الأول للتدريس الذي خطف قلبها في المدرج، وعقلها مع الطلبة، تمارس مهام الباحثة والمربية والمعلمة والمدرسة والموجهة، في علاقة «أمومتها» مع الطلبة، من خلال تدريبهم على استعمال العقل للتفكير والإبداع وغرس الأخلاق لديهم.
هذه العلاقة مع الطلبة تلتقي في محور دوراني يجمع بين الحب والثقة والاحترام المتبادل، رغم الصعوبات الكثيرة التي تواجهها والضغط الرهيب الذي تعيشه في رحلة البحث، فهي تحضّر الدروس وتؤطر الرسائل والمذكرات، وتسافر للمشاركة في الأبحاث والملتقيات والندوات، تجتهد دائما في الجمع بين وظيفتين تضفي عليهما لمسة إبداع، وضيفة تأخذها إلى عالم بعيد تبحث في جمال الكلمة واستعمالاتها اللغوية، والثانية تجبرها على تخير بسيط الكلم لإيصال المعلومة والتواصل مع الطالب والمجتمع.
رحيل والدي خلق مكانا للحزن والشجن في قلبي ومخيلتي
 
عن رأيها في محاولات بعض الأطراف إقحام الجامعة والطالب في الصراعات السياسية، تميز سعدية بين أمرين: الأول هو التعامل مع طالب راشد يفكر، هو الأمل للمستقبل، حرّ في توجهاته، أما الثاني: فعلى مستوى الإدارة، فالجامعة التزمت الحياد واحترمت الانتماء للهيئة الوصية حسبها. ولأن الحياة لا تخلو من الصعاب والمواقف المحزنة التي تترك أثارها في قلب وحياة الإنسان، تستذكر الأستاذة موقفين يرفضان مغادرة مخيلتها، كانا فيهما والدها رمزا للتضحية والعطاء والحب، والأمل في الحياة:
- الأول، لما تعرضت لحادث منذ أزيد من عشرين عاما، راهن فيه الأطباء على استحالة شفائها وأكدوا إعاقتها وجزموا بأنها ستبقى مقعدة للأبد، هذا «القدر الوضعي»، الذي رفضه والدها، بنقلها إلى العاصمة للعلاج، أين التقى حظها بطبيب جزائري في جراحة العظام، أجرى لها عملية كللت بالنجاح غيرت مجرى حياتها، رغم طول مدة العلاج الذي أجبر والدها عن حب في حملها على كتفيه والدموع ترافقها وبشكل مستمر للدراسة وبعدها إجراء الامتحانات إلى أن تماثلت للشفاء.
- الثاني فعندما أخذه الموت فجأة، ما أدخلها في حالة من الحزن حتى أنه هناك من خاف عليها من الجنون لعلاقتها القوية به، إلى أن استجمعت قواها ذات مساء وتقرّر مواجهة الموت بالحياة كانت صعبة أخرتها لـ7 سنوات عن انجاز بحث الدكتوراه، انتفضت بعدها ضد الألم وأنجزتها في عام ونصف، لتنجح وتحقق حلم والدها، الذي علمها حب الوطن الذي يحتاج كل الأوفياء والشرفاء من أبنائه، خاتمة حديثها بالتأكيد على أن المعلم ضمير.. والمتعلم أمانة.. فإذا ضاع الضمير ضاعت الأمانة.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19471

العدد 19471

الأربعاء 15 ماي 2024
العدد 19470

العدد 19470

الثلاثاء 14 ماي 2024
العدد 19469

العدد 19469

الثلاثاء 14 ماي 2024
العدد 19468

العدد 19468

الأحد 12 ماي 2024