جيش الاحتلال الفرنسي جعلها مركزا للتعذيب

الــوادي ترمّم مدرسة الطريفاوي لتكـون فضـاء متحفيـا

فوزي مصمودي باحث في التاريخ مدير المجاهدين لولاية الوادي

 بعد قيام الثورة التحريرية المجيدة في غُرّة نوفمبر 1954 وزيادة لهيبها وتحقيق انتشارها وشموليتها، ومع تصاعد العمل الثوري والتحاق الكثير من أطياف الشعب الجزائري لا سيما من الشباب بهذه الملحمة..

عمد الجيش الاستعماري إلى تحويل عديد المساجد والزوايا والمحاضن القرآنية والمؤسسات التربوية– مع قلّتها وتواضع أدائها –إلى شبه ثكنات عسكرية، مع طرد التلاميذ من مقاعد الدراسة، لا سيما بعد النجـاح الباهر الذي حققته الهجومات على الشمال القسنطيني في 20 أوت 1955 بقيادة البطل الشهيد زيغود يوسف، وما أعقبها من نتائج لمؤتمر الصومام في 20 أوت 1956، وتأكد العدو أن نقطة الرجوع عن الثورة المسلحة التي تبنتها الشعب الجزائري أضحت مستحيلة.
ومن الابتدائيات التي طالها التحويل من مدرسة تربوية إلى ثكنة عسكرية مهمتها الأساسية مراقبة تحركات جيش التحرير الوطني ونشاط المناضلين المدنيين بالمنطقة، وكذا جعلها مركزا للتعذيب والاستنطاق مدرسة قرية الطريفاوي التي كانت تضم مكتبا للمدير وقسمين يدرس فيهما أبناء قرية الطريفاوي.
وفي هذا الشأن يذكر أنه بعد زيارة البطل الشهيد حمه لخضر إلى المنطقة، خلال عـام 1955، قامت قوات الاحتلال - كمرحلة أولى - إلى وضع قوة من أفرادها بهذه المدرسة يقودها ضابط فرنسي، وبموازاة ذلك، ظلّت تمارس نشاطها التعليمي - بصفة مقتضبة ومتواضعة ـ بإشراف المعلم الفرنسي (بادا).
بعد اكتشاف العدو للتنظيم المدني وخلاياه وتشكيلته وقوائمه وأعضائه بوادي سوف في بداية عام 1957، وارتكابه مذبحة رهيبة ذهب ضحيتها (136 شهيدا) من خيرة قياديي وأعضاء التنظيم المدني، والتي عُرفت في التاريخ الثوري بـ (مجازر رمضان/أفريل 1957)، وثبوت تورط مجموعة من أبناء الطريفاوي في هذا التنظيم..أوقفت الإدارة العسكرية للاحتلال الدراسة في هذه الابتدائية بصفة نهائية في ذات السنة، وقامت بطرد جميع التلاميذ، كما أحاطتها بسياج من الأسلاك الشائكة وجعلت داخلها مفرزة عسكرية.
وقد أضحت المدرسة المذكورة، منذ ذلك التاريخ، مركزا للمراقبة والاستنطاق والتعذيب وارتكاب مختلف الجرائم ضد الإنسانية التي فاق فيها الفرنسيون جرائم النازية والفاشية! كما أضحوا ينطلقون منها لتمشيط كامل المنطقة من قرية ليزيرق والخُبنة والدبيلة..إلى غاية مدينة الوادي.
كما كانوا يجبرون سكان الطريفاوي البسطاء على المرور أمام مبنى المدرسة (الثكنة) حين ذهابهم من مكان إقامتهم وإيابهم من مدينة الوادي، حتى يتسنى لهم مراقبتهم والتثبت مما يحملون في أيديهم وفي قففهم المهترئة، وكل الويل لمن يخالف أمرهم ويسلك طريقا آخر. وقد ظلت هذه المدرسة معطّلة طيلة (خمس سنوات)، إلى غاية استرجاع السيادة الوطنية في 05 جويلية 1962.

مدرســــة الطريفـــاوي.. متحـــف شاهـــد

في أجواء الذكرى 80 لليوم الوطني للذاكرة الذي يصادف مجازر 08 ماي 1945/2025 التي ارتكبها الجيش الفرنسي وأسلاك أمنه ومستوطنيه ضد الشعب الجزائري الأعزل التي وذهب ضحيتها أكثر من (45000 شهيد)، وبمناسبة هذا اليوم الذي أقره رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، تم استكمال ترميم هذين القسمين إلى جانب مكتب المدير الذي يتوسطهما، والذي تم تحويله خلال تلك الحقبة المظلمة إلى مكان للاستنطاق والبحث.
هذه العملية التي بادرت بها ولاية الوادي بعد تقرير مفصل ومصوّر قدمه مدير المجاهدين وذوي الحقوق إلى السيد والي الولاية بعد زيارته الميدانية إلى هذه المدرسة التي تحمل اليوم اسم الشهيد عليّة العزوزي، وبحضور السيد رئيس المجلس الشعبي البلدي وأفراد من الأسرة الثورية، ليكون ــ مستقبلا ــ متحفا مصغّرا يضم مجموعة من اللوحات والصور والوثائق والمجسمات والأشياء المتحفية.. وليصبح فضاء للذاكرة التاريخية يزوره الطلبة والتلاميذ ومختلف شرائح المجتمع..يتفوافدون إليه من كل مكان وليقفوا عن كثب على بعض جرائم العدو الفرنسي وحرب الإبادة التي قام بها في حق شعبنا طيلة (132 سنة)، رغم أن ساسته يدّعون المدنيّة والحضارة! ويرفعون ــ كذبا وبهتانا ــ شعار: (الحريّة، الأخوة، المساواة)!

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19784

العدد 19784

الأربعاء 28 ماي 2025
العدد 19783

العدد 19783

الثلاثاء 27 ماي 2025
العدد 19782

العدد 19782

الإثنين 26 ماي 2025
العدد 19781

العدد 19781

الأحد 25 ماي 2025