الشهيـد ديــدوش مُــراد..أول مـن طبـع بيــان أول نـــوفمبر 1954
أكّد باحثون ومجاهدون أنّ الشهيد مراد ديدوش كان شخصية قيادية شاركت في كل مراحل الثورة، خلّد اسمه في سجل البطولات، وذلك خلال ندوة تاريخية نظّمها المتحف الوطني للمجاهد، أمس، بعنوان “مراد ديدوش فيلسوف الثورة..بين الرغبة في الاستشهاد وعزم الانتصار”، بحضور مجاهدين وعائلة الشهيد، وذلك في الذكرى السبعين لاستشهاده يوم 18 جانفي 1955.
أبرز المكلف بتسيير المتحف الوطني للمجاهد البروفيسور حسان مغدوري، في كلمة نيابة عن وزير المجاهدين وذوي الحقوق العيد ربيقة، المجهودات التي يبذلها قطاع المجاهدين في إحياء ذكرى رموز الثورة التحريرية، وأكد أنّ الوزارة مستمرة في استذكار أمجاد الماضي لاسيما هؤلاء الأبطال، الذين بفضلهم ننعم اليوم بالأمن والاستقرار.
وأبرز المتحدث أنّ هدف وزارة المجاهدين ربط الأجيال الحالية بماضي أجدادهم، وصون أمانة الشهداء والمحافظة على اللحمة الوطنية ضمن توجيهات رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، الذي ما فتئ يركز اهتمامه بالذاكرة، من خلال جعل الثامن ماي 1945، يوما للذاكرة للتذكير ببشاعة الاستعمار الذي منيت به بلادنا طيلة 132 سنة من الاحتلال الاستيطاني.
وأكّد مغدوري حرص وزير المجاهدين على تنفيذ سياسة رئيس الجمهورية، في حمل رسالة الثورة للأجيال، لاسيما في هذه المرحلة العصيبة التي تفرض المحافظة على التاريخ الوطني والتمسك به.
وقال إنّ الشعب الجزائري سيبقى وفيّا لرسالة الشهداء حافظا لهذه الوديعة، ويقف في وجه أولئك الذين يحاولون طي صفحة الماضي، والمكاسب الوطنية التي تحققت بأنهار من دماء الشهداء.
وأضاف أن بلادنا عازمة على استكمال مسار التنمية ضمن قيمها الوطنية وأبعادها الحضارية العريقة، التي نجدها ضاربة في أعماق التاريخ.
وقال مغدوري إنّ ما يتميّز الاستعمار الفرنسي هو أنّه حاول منذ البداية إبادة شعب واستجلاب شعب آخر، وقال إنّ الشهيد الرمز مراد ديدوش ينتمي إلى جيل هذه المرحلة التاريخية، الذي عاش بين مجتمع كولونيالي ينعم بالرفاهية ومجتمع يعيش الحرمان، هذا الجيل عاش بشاعة الاستعمار من الناحية الاقتصادية والثقافية، كان أمله للأجيال استكمال الذاكرة ونحن نمثل امتدادا لهم، أضاف الباحث.
جيل كتب عليه الموت من أجل التّحرير
تطرّق الباحث دحمان تواتي في مداخلة بعنوان “ديدوش مراد والاستمرار على الفعل الثوري”، لخصال الشهيد ديدوش مراد، وأكّد على وجوب تسجيل هذه الوقفة لاستلهام الدروس والعبر، وتذكر هؤلاء الأبطال الذين صنعوا معركة التحرير. وأضاف المتحدث: “واجب الذاكرة ضروري، هم جيل كتب عليهم الموت من أجل التحرير، نحن نحمل أمانتهم ونوصلها للأجيال”.
وذكر الباحث ببعض المحطات في حياة الشهيد ديدوش، المدعو سي عبد القادر، الذي عاش 27 سنة أعطاها للوطن، وقال إنّ مساره يشبه مسار محمد بلوزداد، والده سليل أسرة عريقة مناهضة للاستعمار محافظة على القيم، رفض تسجيل ابنه في 14 جويلية حتى يخالف العيد الوطني لفرنسا الاستعمارية، عائلة الشهيد ميسورة الحال، كان لديهم مطعم ومخبزة، وحسب بعض المصادر التاريخية، أخبر أحد الدراويش والد الشهيد بأن ابنه سيكون رجلا عظيما.
وأضاف أنّ محيطه العائلي ساهم في تكوين شخصيته، ومرّ بمؤسسات تنشئة مهمة مثل الكشافة وحزب الشعب، كان الشهيد ذكيا ونجح في دراسته، انخرط في النضال الوطني باكرا في سن 16 سنة، ولم يعرف مرحلة الطفولة والشباب بسبب ظلم الاستعمار.
كان من الأوائل الذين شاركوا في تنظيم مظاهرات أول ماي 1945، ثم أصبح مطاردا وينشط باسم مستعار، كما لعب دور ا كبيرا في تهريب أحمد بن بلة إلى البليدة ثم فرنسا، حسب شهادة أدلى بها الرئيس الراحل الأسبق بن بلة، في حصة “شاهد على القرن”.
وأبرز الدكتور تواتي أنّ الشهيد ديدوش مراد كوّن شبكة توفير المأوى للمناضلين، وكان صديقه إلياس دريش ينشط في سرية، وله أخ شهيد لا تذكره المصادر، اسمه حميد اعتقل سنة 1958 بعد قمع معركة الجزائر، أُخذ إلى مزرعة بوقندورة وقتل ولم يعثر على جثته.
وأكّد المحاضر أنّ ديدوش مراد، هو أوّل من طبع بيان أول نوفمبر 1954 في الجزائر، حيث أخذ الأموال من عند والداته حسب شهادات، اشترى الآلة الراقنة لطبع نسخ من البيان سلمت للقادة الستة، ثم سلم الآلة إلى أوعمران لطبع نسخ في منطقة القبائل.
نموذج لشباب استعدّوا لخوض الكفاح
أكّد المجاهد عبد الله عثامنية في مداخلة بعنوان “ديدوش مراد أول قائد بالمنطقة الثانية”، أنّ الشّهيد ولد ليكون نموذجا من الشباب، الذين استعدوا لخوض الكفاح المسلح ضد استعمار استيطاني، تمكّن من بسط نفوذه وبث جذوره في أرضنا، وأصبح يهدد بموت شعب كامل، وأضاف عثامنية أن تفجير الثورة كان من المعجزات.
من جهته، قدّم المجاهد والفدائي صالح ملزي شهادته حول ديدوش مراد، الذي كان مختبئا في منزل عائلته مدة سبعة أشهر، والشهداء الذين ضحوا من أجل استرجاع السيادة الوطنية، وشدّد على ضرورة الحفاظ على الجزائر واللحمة الوطنية.
وقدّم أحد أحفاد عائلة الشهيد ديدوش شهادة حول عمه مراد ديدوش، الذي قال لأمّه التي طلبت منه البقاء لتزويجه، أنّه متزوج من الجزائر، وأكّد أن عمه الشهيد كان موحّدا ولم يكن جهويا، فعندما ينتقل لقسنطينة يلبس لباسهم ويجلس مجلسهم، والأمر نفسه يقوم به عندما ينتقل إلى ولايات اخرى.
وبالمناسبة، تمّ عرض شريط وثائقي حول الشهيد مراد ديدوش، وتكريم عائلته.