هذا ما قالـه الشّهيـد بـن مهيـدي للشّهيد زيغود في نهاية المؤتمر
كان مؤتمر الصومام 20 أوت 1956 تتويجا لهجومات الشمال القسنطيني 20 أوت 1955، حيث أكّدت وثيقة الصومام على الطابع الإجتماعي والديمقراطي للثورة الجزائرية، بتقنين الميثاق السياسي للمكاسب الشعبية لـ 20 أوت 1955، حسبما تؤكّده شهادة الرئيس الأسبق المجاهد الراحل علي كافي، والمجاهد الراحل بن يوسف بن خدة.
يروي المجاهد الراحل والرئيس الأسبق علي كافي، في “مذكّرات الرئيس من النضال السياسي إلى النضال العسكري”: “في شهر نوفمبر 1955، زار المنطقة الثانية الطالب الشاب عمارة رشيد، مبعوثا من المنطقة الرابعة الولاية الرابعة فيما بعد، فكان حدثا هاما ضاعف من رفع المعنويات وفك الحصار، وأثبت أن 20 أوت كان في الطريق الصحيح للثورة”.
ويضيف المرحوم علي كافي في شهادته: “وضع عمارة رشيد في الصورة وعاين الواقع كما حضر اجتماعات عديدة، وبعد نقاش طويل وثري اقترحت عليه قيادة المنطقة الثانية - وبالتحديد زيغود - ضرورة عقد مؤتمر وطني من أجل التقييم وبلورة الطريق التي حددها أول نوفمبر، وتكوين قيادة موحدة على المستوى الوطني. كما زودته قيادة المنطقة بتقرير مفصل عن الوضعية الشاملة في المنطقة الثانية، وكان الاقتراح أن ينعقد المؤتمر في المنطقة الثانية فهي على أتم الاستعداد لذلك”.
وبحسب شهادة المجاهد كافي، “عاد الشهيد عمارة رشيد إلى العاصمة حاملا رسالة مطولة من يوسف زيغود، وسلمها إلى عبان رمضان، الذي أخبر بدوره أو عمران، بمحتواها فوافق هذا الاخير فورا، مؤكدا على عبان رمضان، ارسال مبعوث آخر فوقع الاختيار على سعد دحلب”.
وصل سعد دحلب الى قسنطينة، حيث كان في استقباله مسعود بوجريو، المدعو مسعود القسنطيني، الذي أوصله إلى الناحية التي كان بها صالح بوبنيدر، وتوجّها معا الى بني احمد قرب حمام دباغ حيث كان زيغود، ومعه كل من عبد الله بن طوبال، وأنا (المتحدث علي كافي)، وباقي أعضاء مجلس المنطقة والنواحي.
يقول علي كافي: “عاين هو الآخر الوضعية عن كثب طوال إقامته بالمنطقة الثانية - والتي تواصلت قرابة ثلاثة أسابيع - وكم كانت دهشته كبيرة وهو يجول في بعض النواحي حين شاهد بعض المجاهدين يلعبون كرة القدم في نواحي شبه محررة، فتأكّد أنّ الثورة في المنطقة الثانية بخير، فالمعنويات مرتفعة والمعارك متواصلة وارتبطت مودة وثيقة بين دحلب وزيغود حتى أن هذا الأخير دعاه إلى البقاء في المنطقة الثانية”.
نُقل المكان من المشروحة إلى منطقة بوالزعرور، حيث عيّن المجاهد علي كافي من طرف زيغود مسؤولا مباشرا على عملية التحضير، وكلّف مع زملائه بتهيئة المكان وتوفير حاجيات المؤتمرين من آلات رقن وسحب وأوراق ومداد وأقلام، وكانت هناك خلية في قسنطينة توفر لهم هذه المستلزمات.
وبالنسبة للتموين والمبيت والأمن، فهذه أمور لا تكلفنا جهدا كبيرا - يقول المرجوم كافي - لأن المراكز جاهزة والتموين موجود. ويضيف مسؤول الولاية الثانية: “عندما كنّا نحضّر المخابئ، فلم يكن أحد يدرك أن العملية من أجل عقد مؤتمر، وإنما كانت تدخل ضمن الاحتياطات الأمنية التي نوفرها للجنود، وكان الشعب يساعدنا في بنائها ، ولم يكن يدرك في أي مخبأ قد نتواجد، وأحيانا يكون حفر المخابئ، للتمويه فقط”.
كانت الأحداث المؤلمة، التي شهدها العام الأول من بداية الثورة قد حالت دون لقاء قادتها بعد عام، كما اتّفقوا بسبب استشهاد باجي مختار، وديدوش مراد، وسجن رابح بيطاط، والقاء القبض على مصطفى بن بولعيد، ورحيل بوضياف إلى الخارج، واعتقال بن بوالعيد واستشهاد سويداني بوجمعة في الولاية الرابعة، حسب شهادة المجاهد المرحوم.
قرارات مؤتمر الصّومام
ومنذ مؤتمر الصومام أصبح قائد الولاية بصفتيه السياسية والعسكرية ليس من صلاحياته تعيين أو فصل أو تجريد نوابه من رتبهم بل هي من اختصاصات القيادة العليا، وعلى قائد الولاية تقديم اقتراحاته فقط حيث تشكل مجلس الولاية من مسؤول عسكري، وآخر سياسي وثالث للإستعلامات والمواصلات ينسق بينهم قائد الولاية.
ومن القرارات الهامة المنبثقة عن المؤتمر:
- أولوية الداخل على الخارج، أولوية السياسي على العسكري، وطبقا لهذا القرار فإن إدارة جبهة التحرير الوطني، أي (CCE) يجب أن تتمركز وتستقر داخل الجزائر، وكان من نتائج المؤتمر أيضا اعتراف الثورة الجزائرية بالفلاح الرافد الأساسي للثورة، وبالتالي تلبية تطلعه للعدالة الاجتماعية.
وفي تقييمه لقرارات مؤتمر الصومام، يقول علي كافي إنه حدث تاريخي عظيم لأنه جاء في ظل وضع يتسم بعدم التنسيق والإتصالات شبه منعدمة، الأسلحة المطلوبة غير متوفرة ولم تكن هناك قيادة موحدة ولا برنامج موحد لبلوغ الأهداف المعلنة في بيان أول نوفمبر، ما استدعى ضرورة اللقاء.
كان جدول الأعمال يتضمّن عشرة نقاط أساسية وتقارير مندوبي المناطق التي أصبحت فيما بعد ولايات، ويؤكد كافي أن مؤتمر الصومام اعتمد تقرير المنطقة الثانية الذي قدمه زيغود يوسف، أرضية أساسية للنقاش وصادق على أغلبية ما تضمنه، خاصة فكرة المجالس الشعبية، التي كانت المنطقة الثانية المبادرة الأولى بها قبل المؤتمر.
ومن أهم قراراته التنظيم العسكري الجديد أي هيكلة الجيش، الكتيبة 110 جندي، الفرقة 35 جنديا، الفوج 11 جنديا، نصف فوج خمس جنود، ولأول مرة أطلق إسم “الولاية” على المنطقة وأصبح كل قائد ولاية عقيدا سياسيا عسكريا، أعيد التقسيم الجغرافي وأصبح ست ولايات، ووحد الزي والرتب والشارات العسكرية، وتكوين هيئة تشريعية (المجلس الوطني للثورة، وهيئة تنفيذية لجنة التنسيق والتنفيذ).
سنتقابل في شارع إيزلي..
يؤكّد علي كافي في مذكراته، أنّ الشهيد العربي بن مهيدي في آخر لقاء مع الشهيد يوسف زيغود، بعد انتهاء المؤتمر وهما يتوداعان، قال له: “سنتقابل عن قريب في شارع إيزلي، في نهاية هذه السنة أو مطلع 1957، إن شاء الله للإحتفال بالنصر”.
وقال زيغود لرفاقه من وفد الولاية وهم راجعون من حيث أتوا: “إن الاستقلال سنحصل عليه لا ريب، ولكن الثورة انتهت”، قال كلمته الخالدة بألم ومرارة، يضيف علي كافي.
نظرا للسمعة الكبيرة والاحترام اللذين كانا يتمتّع بهما زيغود، قبلا في الولاية الأولى (الاوراس)، يقول المجاهد كافي “فقد كلفه المؤتمر رفقة ابراهيم مزهودي، العارف بالنمامشة لأنه منهم بتبليغ القرارات الى الولاية الأولى ومحاولة تنظيمها، وايجاد حل لبعض المشاكل التي بدأت تطفو على السطح بعد استشهاد بشير شهاني ومصطفى بن بولعيد، وتمكينها من العودة الى ما كانت عليه حصنا وقلعة ثورية”. وتوضّح مذكرات علي كافي أن الشهيد زيغود، عرج على عائلته الساكنة في (دوار الصوادق) لتوديعها، وبعد عودته وقع في كمين وكعادته لم تكن معه إلا حراسة خفيفة”.
وخلال الاشتباك عمد إلى حرق الوثائق، وكان الدخان دليل العدو وتهاطلت عليهم القنابل والمدفعية فاستشهد، وكان ذلك ظهيرة يوم 25 سبتمبر 1956، يؤكد علي كافي.
ويضيف: “خسرت الثورة بطلا آخر من أبطالها العظام أمثال ديدوش وبن بولعيد وباجي مختار وغيرهم، كان استشهاد زيغود صدمة قوية ليس فقط للولاية الثانية بل للثورة كلها. ومن عبقريته وقد يكون إرهاصا انه قبل توجهه لزيارة عائلته والانطلاق نحو الولاية الأولى عقد اجتماعا، وحدد المسؤوليات، وأقر بأن يكون الأخضر بن طوبال قائدا للولاية في غيابه”.
أصبحت الولاية تضم خمس مناطق والمنطقة قسمت إلى نواحي والناحية إلى أقسام، والقسم أصبح يضم عددا من الدواوير والمشاتي، كما أعيد النظر في تنظيم وتقسيم المدن والقرى، وفقا لطبيعتها وخصوصياتها.
وتماشيا مع المسيرة الطويلة للثورة، واستعدادا واحتياطا لجميع الاحتمالات شرعت قيادة الولاية الثانية في الحين في تطوير الهياكل العسكرية النظامية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والادارية، فأقرت نصوصا واضحة السياسية والاقتصادية والاجتماعيه والادارية.
تحديد المسؤوليات
وضعت الأرضية السليمة في التعامل وتحديد المسؤوليات والصلاحيات والإلتزامات على جميع الأصعدة والمستويات انطلاقا من أعضاء لجنة القسم لقاعدة الى مجلس الولاية (القمة).
فكانت الصلاحيات التي أقرّتها القيادة حصنا حصينا أمام جميع المستجدات مهما كان نوعها، وفعلا كانت الدرع الواقي أمام جميع الهزات، الذي حفظ الولاية لغاية الاستقلال من كل التمزقات والهزات والتربصات بمسيرة الثورة في الولاية، يقول علي كافي. ويضيف: “تماشيا مع التقسيم الترابي للولاية تشكّلت لجان على مستوى كل هيئة أقرّها المؤتمر، ووجدنا صعوبات في الميدان ممّا جعلنا نكيف ذلك مع الواقع”.
ويرى المجاهد بن يوسف بن خدة، “أن مؤتمر الصومام ملأ الفراغ الإيديولوجي والسياسي عن طريق تحديد الأهداف الاستراتيجية للحرب، كما أنه زوّد مناضلي وإطارات جبهة التحرير الوطني في الداخل والخارج بمعالم توجيهية لمواصلة الكفاح”.
ويؤكّد بن خدة على دور عبان رمضان، والإعانة الثمينة التي قدمها له العربي بن مهيدي، كما أن لجنة التنسيق والتنفيذ هي التي ضبطت النص النهائي لأرضية الصومام، الذي أرسلت نسخة منه إلى الوفد الخارجي لجبهة التحرير الوطني، ونشرت هذا البرنامج في العدد الخاص لصحيفة المجاهد، الذي صدر في أول نوفمبر 1956 بمناسبة الاحتفال بعيد الميلاد الثاني للثورة.
وفيما يتعلق بأولوية العمل السياسي على العسكري، يوضّح بن خدة أنّ هذه الفكرة هي فكرة جميع المشاركين في المؤتمر، وينفي عن عبان النزعة الجهوية والاستبعاد بالرأي، ويؤكّد أنّ هدفه الأسمى هو وحدة جميع الجزائريين لمواجهة العدو.