من خلال مدارس حرّة أنشأت شبابا على النهج الصحيح

جـمعيــة العلـمــاء ساهمــت في تــوســيــع التــعلـيـم العــربي الحـر

سهام بوعموشة

أنشأت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين المدارس الحرة في مدن وقرى الجزائر،العديد من هذه المدارس مثل مدرسة التربية والتعليم بقسنطينة، مدرسة الشبيبة الإسلامية بالجزائر، ومدرسة تهذيب البنين بتبسة ومدرسة الفتح الإصلاحية بغليزان.
كان الهدف في فتح المدارس الحرة توسيع حركة التعليم العربي الحر، وتنشئة الشباب على النهج الصحيح، لذلك ساهم المشايخ والمعلمين في عملية الوعظ الإرشاد والتعليم من بينهم مدرسة الفتح بغليزان.
 من أبرز رجالات الجمعية بالجزائر الذين تنقلوا إلى غليزان للتدريس محمد الصالح رمضان، يقول: «فتوليت أنا إدارة المدرسة والتعليم بها مع بعض المعلمين الموفدين من طرف الجمعية». بحسب ما جاء في مقال صادر بمجلة «لغة-كلام» التابعة لمخبر اللغة والتواصل بجامعة أحمد بن بلة وهران في 2022 بعنوان: «المدارس الحرة لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين مدرسة الفتح بغليزان أنموذجا 1943 - 1957.»

جيل جديد في تفكيره وتكوينه العلمي

  أوضح صاحب المقال أن الأديب محمد الصالح رمضان أول معلم ومدير لمدرسة الفتح الذي عينه الشيخ محمد البشير الإبراهيمي في 1943. قضى ثلاث سنوات بالمدرسة قائما عليها وبكل النشاطات داخل المدرسة وخارجها كان يدرب التلاميذ العمل الكشفي، و يعلمهم المسرح والأناشيد الوطنية التي تزيد من عزمهم وحبهم للوطن.
  تخرج على يديه العديد من أبناء مدينة غليزان. وقد توالى على إدارة المدرسة العديد من الشيوخ مثل محمد بوعكاز، فرحات العابد الجيجلي، أبو القاسم الأغواطي، محمد حني، باقي بوعلام وغيرهم.
وأشار المقال إلى سعي الجمعية لإنشاء جيل جديد في تفكيره وعقيدته وتكوينه العلمي والعقلي، فالجمعية بعد تأسيسها بسنوات عملت على توحيد برامج التعليم في مدارسها الحرة، فعقدت مؤتمرا عاما في نادي الترقي، بالعاصمة، يومي 22 و23 سبتمبر 1937 بعنوان مؤتمر المعلمين الأحرار، تطرق فيه إلى جميع ما يهم التعليم العربي الحر ومدارسه ونظمه ومنهاجه ووسائله، والغاية توحيد مناهج الدراسة.
اتتهجت مدرسة الفتح الطرق الحديثة لتعليم أبناء المدينة وشملت برامجها المواد الدينية، واللغوية والسيرة ومواد الجغرافيا والتاريخ والحساب، وهذا البرنامج يجمع بين الأصالة والمعرفة العصرية. وشمل برنامج المدرسة الابتدائية ثلاث شعب، وهي التربية الإسلامية المتينة، الثقافة العربية الابتدائية، مبادئ أولية للمعارف العلمية، وكانت مراحلها مضبوطة بستة سنوات موزعة على القسم التحضيري، القسم الابتدائي والقسم المتوسط، وكل قسم مدته عامين.
  وكان تلاميذ مدرسة الفتح الحرة يدرسون لحوالي ست ساعات يوميا، المواد التي كانت مقررة عليهم هي التفسير، الحديث، الفقه، الفرائض، العقائد، الأدب، المواعظ، التجويد، الأصول، المنطق، النحو الصرف، البلاغة، المحفوظات، المطالعة، الإنشاء، الحساب، الجغرافيا والتاريخ.
كانت مدرسة الفتح بغليزان قبلة للعديد من الطلبة الذين التحقوا بها من داخل المدينة وخارجها، وكانت خطة الدراسة تسير وفق ما سطرته الجمعية من خلال لجنة التعليم العليا، وما أقرته الدورات التكوينية ومؤتمر المعلمين الأحرار.
وقامت المدرسة بتدريس اللغة العربية والمحافظة عليها بنشرها وتعليمها للبنات والبنين متحدية الإجراءات الفرنسية، ويقول الشيخ البشير الإبراهيمي في هذا الشأن: «إن هذه الأمة تعتقد وتموت على اعتقادها أن لغتها جزءا من كيانها السياسي والديني وشرط بقائها.. «.
 وكانت لجنة التعليم العليا للجمعية تنشر عناوين الكتب المقررة على كل السنوات الدراسية منها مبادئ القراءة المصورة، أجزاء من القرآن الكريم، المحفوظات المدرسية، النحو الواضح، جغرافيا القطر الجزائري لأحمد توفيق المدني، مختارات من الألفاظ والكتابة للهمذاني، الحساب العربي... وغيرها من الكتب.
وكان الطلبة والتلاميذ يحفظون الأناشيد والقصائد المشبعة بالروح الوطنية، والقيم العربية الإسلامية ويرددون الأناشيد الثورية التي تزيد من العزيمة الثورية في نفوس الطلبة.
اهتم معلمو المدرسة بالمسرح كتابة وتمثيلا، فقد كتب الشاعر محمد العيد آل خليفة مسرحية بعنوان: «بلال» في 1939، وكتب محمد الصالح رمضان مدير المدرسة مسرحية بعنوان: «الناشئة المهاجرة» في 1947 تعالج موضوع الهجرة النبوية.

اهتمت بتعليم الفتيات

من الأولويات التي اهتمت بها جمعية العلماء المسلمين الجزائريين المرأة، فقام الشيخ بن باديس بتعليم الفتيات.اقتدى كل المشايخ والأساتذة بالعلامة بن باديس فحرصوا على تعليم المرأة.
 إلتحقت فتيات مدينة غليزان بالمدرسة الحرة في 1948، وهن كثيرات ذكرت جريدة البصائر البعض منهن، ربيعة بريكسي، خديجة قاضي، شريفة السنوسي، الزهرة حمادي، بدرة جلول عبو، خديجة بن يحي، خيرة بن يحي، فتيحة بن يحي، سكينة بن يحي، عائشة بن يحي، آمنة بن سعوا، جميلة اسياخم، عودة حراث، محجوبة بن جبار وغيرهن.
 وأول معلمة بالمدرسة بدرة جلول عبو مارست التعليم من 1948 إلى 1953 ولما زار الشيخ الإبراهيمي القسم الذي كانت تدرس به قال لها: «أنت إنشاء الله إمرأة المستقبل».
نموذج آخر لإحدى المدارس الحرة بولاية المدية تناولتها الدكتورة يمينة شيكو في دراسة بعنوان: «التعليم في المدارس العربية الحرة وأبعاده الثورية في مدينة المدية في عهد الإحتلال الفرنسي». وتشير الباحثة أن التعليم في مدينة المدية في عهد الإحتلال الفرنسي كان أربع أنواع، التعليم في الكتاتيب القرآنية، وهو مختص بتحفيظ القرآن فقط، والتعليم في المساجد، وهو متنوع إلى حد ما يغلب على برامجه الطابع الديني من قرآن وحديث وفقه، إلى جانب اللغة وشيء من الحساب، والتعليم في المدارس العربية الحرة وكان متنوعا.
تؤكد أن أول مدرسة في غرب مدينة المدية بحي شعبي، هي مدرسة سيدي سليمان في زاوية سيدي سليمان، وكان يدير شؤونها الشيخ محمد بن تشيكو وكانت هذه المدرسة من الناحية الرسمية، بحسب الرخصة المسلمة لها من طرف الإدارة الفرنسية، تهتم بتحفيظ القرآن الكريم فقط، لكنها في الواقع كانت تدرس مواد مختلفة دينية وعلمية واجتماعية، الأمر الذي جعل المحتل الفرنسي يأمر بإغلاقها في 1944.

وكان التعليم بالمدرسة الزوبيرية عربيا فيه مستويات من السنة الأولى إلى السادسة، تدرس قواعد اللغة العربية والعلوم الإسلامية، علم الحساب، الرياضيات، الاجتماع، الطبيعة، تاريخ الجزائر، والتاريخ الإسلامي للحفاظ على مقومات الشخصية العربية الإسلامية التي حاولت فرنسا طمسها.
 ومن البرامج مادة الأناشيد الوطنية والتمثيليات خاصة في مناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف، وأناشيد الشاعر محمد العيد آل خليفة، والنخبة من المعلمين تخرجوا من مدرسة بن باديس بقسنطينة وبعضهم من مدرسة الشبيبة في الجزائر العاصمة وآخرون من مدرسة تلمسان.

كثير من المعلمين والتلاميذ إلتحقوا بالثورة

وتقول الدكتورة شيكو أن العديد من المعلمين والتلاميذ الكبار تأثروا بالثورة والتحقوا بصفوف جيش التحرير الوطني أمثال المختار الزبير، المختار مقدم، أحمد الحاج حمدي ومن التلاميذ الشهداء محفوظ بن تركية، بن يوسف بن نابي، كمال زميرلين، ومن المجاهدين الزبير ولد إمام، خير الدين تيتري، عبد السلام مزيغي، عبد القادر بن مولود.
 وكانت إدارة المدرسة في كل مرة تعوض هؤلاء المعلمين الذين إلتحقوا بصفوف الثورة بمعلمين من ضمن التلاميذ المثقفين أمثال محفوظ طبال، عبد الحميد ولد خاوة، الحسين مازوني، محمد مدني زراوين، زينب العماري، صالحة زبيري.
 وكانت الشرطة الإستعمارية تقوم بتفتيش ومراقبة المدرسة باستمرار وتسجيل أسماء المعلمين والتلاميذ ومواد التدريس، بصفة مباغتة فكان المعلمون والتلاميذ يخفون الكتب بسرعة ويمسحون السبورات ويطلبون من التلاميذ إخراج المصاحف وتلاوة القرآن.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19630

العدد 19630

السبت 23 نوفمبر 2024
العدد 19629

العدد 19629

الجمعة 22 نوفمبر 2024
العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024