كشف الدكتور “عز الدين بومزو”، أستاذ محاضر بجامعة قسنطينة 2، أن الإعلان عن وقف إطلاق النار كان قد سبقه بمنطقة قسنطينة توقيع 13 جمعية فرنسية لإبقاء الاحتلال الفرنسي على الأراضي الجزائرية، على غرار الاتحاد الفرنسي للجزائر، الجبهة الوطنية الفرنسية، قدامى المحاربين، وهي ذات المنظمات التي أقدمت على ارتكاب مجازر راح ضحيتها الكثير من الجزائريين على غرار مذبحة القصبة التي قضت على 70 جزائريا، فضلا على أنها تحولت فيما بعد إلى مزيج بين المنظمات العدائية، البوليس والمستوطنين،
حيث كانت المنظمة السرية المعروفة بـ “اليد الحمراء” تقوم بالاستيلاء على البنوك وتخريب المؤسسات، ثم بعد ذلك انتقلت إلى تصفية الجزائريين من النخبة ومن الفرنسيين المتعاطفين مع الجزائر واغتيال حتى النساء العاملات في البيوت الفرنسية.
وعلى هامش الندوة التاريخية، التي نظمتها منظمة تطوير وتنمية المجتمع المدني بقسنطينة حول السنتان الأخيرتان للثورة التحريرية وبوادر استرجاع السيادة الوطنية، التي احتضنها مركز الإعلام الجهوي الشهيد “عبود بلحيمر” للناحية العسكرية الخامسة، اتفق المتدخلون أن فرنسا لم تتقبل ما تمخضت عنه مفاوضات إيفيان وقرار الإعلان عن وقف اطلاق النار بتاريخ 19 مارس 1962 والتي تمهد لفكرة السيادة الوطنية للجزائر والجزائريين ذلك بدليل أن الجانب الفرنسي وعلى رأسهم المنظمة السرية والجمعيات المعارضة لاستقلال الجزائر حيث لم يتوقفوا عن التقتيل والاغتيالات التي أصبحت فرنسا مفلسة ومتعبة من الحرب التي استنزفتها ماديا وبشريا وشكلت انقسامات خطيرة على مستوى جيشها.
وأكد الدكتور “عز الدين بومزو” خلال محاضرة قدمها حول قراءة تاريخية في بيان ايفيان، أن المفاوضات بين الطرفين الجزائري والفرنسي كانت تتويجا لمسار المقاومة الثورية والحنكة الدبلوماسية الجزائرية، إلا أن سياسة القمع المطبقة على الجزائريين من ميليشيات مدنية متواصلة وتعبر أساسا عن رفض دفين في صفوف الجمعيات والمنظمات السرية المعادية لاستقلال الجزائر واستعادة أراضيها من المستعمر الفرنسي الذي عاث فيها استغلالا لثرواتها وتقتيلا لشعبها الذي أبى، إلا أن يحارب من أجل أرضه ووطنه والذي راح ضحيتها أكثر من مليون ونصف مليون شهيد.
من جهتها، أوضحت دكتورة التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة الأمير عبد القادر في قسنطينة “عايدة حباطي”، في محاضرة بعنوان: “المشهد السياسي الجزائري من سنة 1960 إلى 1962، أن المرحلة الأخيرة للثورة التحريرية التي سبقت الإعلان عن وقف إطلاق النار كانت تديرها 3 أطراف متنازعة ومتعايشة، مع بعضها في نفس الوقت وهي الاحتلال، الشعب الجزائري. والمستوطنين (المستدمرين) خاصة المتطرفين، وهي ذات المرحلة التي عرفت تصاعد في أساليب القمع والإبادة الجماعية وخنق الشعب حيث امتلأت المحتشدات، وهذا بعد سنوات من تطويق الحدود في محاولة لعزل الثورة من الناحيتين الغربية والشرقية، ووضع الثوار بين فكي كماشة من خلال التسلح وحرية الاتصال بينهم داخل الولايات وخارج الجزائر والتي كان لها انعكاسات على حياة المدنيين.
كما كشفت الدكتورة “عايدة حباطي” أن عدد اللاجئين الجزائريين، سنة 1960 بلغ 150 ألف على الحدود الغربية والشرقية للوطن، بعد أن كان عددهم 60 ألف سنة 1957 بسبب زيادة القمع والمطاردة ضد سكان القرى والمداشر وقتها، مشيرة إلى أن عنصرية المعمرين المتطرفين تجاه استقلال الجزائر دفعتهم إلى حرق 600 ألف كتاب بجامعة الجزائر والقيام بعمليات عدائية بمليشيات مختلطة بين المدنيين والعسكر الفرنسي.
وواصلت المتحدثة أن المستوطنين والمعمرين الأوروبيين المتطرفين الذين تمسكوا بالجزائر، منذ 1830، قاموا بعدة عمليات عسكرية خلال الفترة الممتدة من 1960 إلى غاية 1962 من خلال كتائب وميليشيات تعمل في السر، وبعدها تحولت إلى العلن يمنحها الجيش الفرنسي السلاح، وهي نفس التنظيمات السرية تقول التي كانت وسيلة ضغط على الجنرال ديغول، ومن بين أفعالهم الشنيعة محاصرة الجامعة بالعاصمة بواسطة السلاح، بعدما أسسوا التجمع من أجل الجزائر الفرنسية منظمة الجيش الفرنسي، قابلتها جبهة التحرير الوطني بفرنسا المدعو بكتلة تقوم على 136 ألف نسمة من الجزائريين بنقل الثورة إلى الأراضي الفرنسية حيث تبقى أحداث 17 أكتوبر 1961 أكبر دليل على ذلك.