المجاهد محمد مقراني لـ “الشعب”:

عيد ممزوج بالفرحة والدموع

سهام بوعموشة

عاش المجاهد وعضو سلاح الإشارة المالغ محمد مقراني عيد النصر كبقية رفقائه بفرحة ممزوجة بالدموع لأنّ كل جزائري فقد أحدا من أفراد عائلته، فبالرغم من فرحة وقف القتال إلا أنهم في تلك اللحظة شعروا بحزن كبير لعدم رؤية أحبائهم، يعود بنا المجاهد إلى الخطوات التي سبقت عيد النصر والاتصالات التي كانت بين الوفدين الجزائري والفرنسي، بحيث كانت تصلهم تقارير يوميا عن طريق علي منجلي عما كان يجري بين الطرفين.

يقول مقراني في حديث لـ “الشعب” :« 19 مارس 1962 له خلفيات قبل أن نصل إلى هذا التاريخ المجيد فكانت بالنسبة للثورة اتصالات بدأت من الستينات بين فرنسا وجبهة التحرير وتكررت تلك الاتصالات بواسطة وسطاء سويسريين وغربيين وبعض الزعماء عن طريق الماريشال تيتو الذي اتصل بجمال عبد الناصر لكي يجسّ النبض مع أصحاب الشأن”.
ويضيف:« لكن الحمد لله أنّ الثورة في حدّ ذاتها كان بها رجال عظماء من الناحية الفكرية والوطنية، فبعد تعثر عدة اتصالات وتلاعب السلطات الفرنسية بالجزائر بعدة عملاء منهم الباشاغا بوعلام، الجنرال بلونيس، الباشاغا شكاي، جاء الجنرال ديغول ليستأنف المباحثات وينقذ فرنسا “.
ويشير محدثنا أنّه بعد اغتيال الباشاغا شكاي من طرف مناضلي فيدرالية جبهة التحرير الوطني بفرنسا رأت الحكومة الفرنسية أنّه لابدّ من ربط الاتصال مع قادة جبهة التحرير الوطني. فكان المحرك بين سويسرا وروما هو الطيب بولحروف بعدها كريم بلقاسم، بوصوف وبن طوبال، محمد الصديق بن يحيي، رضا مالك، أحمد بومنجل وأحمد فرنسيين، سعد دحلب، امحمد يزيد.
ويوضح الدبلوماسي السابق أنّ الاقتراحات كانت تأتي متقطعة فيدرسونها بتونس وأحيانا بالقاهرة ثم يعطون الرد حسب الاقتراحات التي أتى بها المبعوث إلى أن وصلت مفاوضات ايفيان التي كان قبلها عدة أماكن، مولان، بال، لوزان وايفيان، ففي ايفيان ركز الوفد الجزائري على الدفاع عن حقوق الجزائر التي لا تتجزأ وهي الحرية التامة والاستقلال التام للجزائر.
فكانوا كثيرون يتداولون وكل فرد في اختصاص بالنسبة للجغرافيا كان مكتب تابع للمالغ يوجد بطرابلس كان يمدهم بجميع الخرائط بدقة، أما السياسي والثقافي فيتكفل بها جماعيا، فلما توصلوا إلى بعض النقاط كانت فرنسا تقسم الصحراء إلى جزأين الصحراء الكبرى والساورة.
وهنا يشير المجاهد إلى شخصية من الساورة يدعى الشيخ أحمد أرادت فرنسا استعماله لأنّه كان بمثابة الشيخ الكبير الذي لا ترد له كلمة، لكن حنكة قادة الثورة وعلى رأسهم عبد الحفيظ بوصوف أرسل كومندوس يقوده المرحوم عبد الوهاب عقب الليل الذي إختطف الشيخ أحمد رغم جهود محمد الخامس لكي يستعمله.
في هذا الصدد، يقول مقراني:« كانت الساورة قرب التوات، اختطفوه من أسنان فرنسا والمغرب وأدخلوه إلى التراب المغربي مرتديا سروال وقبعة ومرر إلى الدار البيضاء ثم مدريد فروما ثم القاهرة عن طريق البر إلى طرابلس، وهكذا خسرت فرنسا أوراقا لتقسيم الجزائر وكل مقترحاتها باءت بالفشل “.
ويشير إلى أنّ علي منجلي كان يمثل القيادة العامة في كل المفاوضات ويلخص لبومدين وسليماني أحمد ما جرى فكان الهدوء.
ويصف محدثنا: “حين أعلن التاريخ والتوقيت عن وقف القتال كانت الوحدات الموجودة على الحدود الشرقية مجهزة بأسلحة ثقيلة من بينها مدافع عيار 105، فوزعت تلك المدافع على بعض الوحدات ليبرهنوا لفرنسا بأنّ أصعبنا ما تزال على الزناد وإننا لكم بالمرصاد”.
ويضيف:«يومين بعد توقيف القتال أعطيت الأوامر على الساعة صفر بضرب المواقع التي كانت تقصفنا ليلا نهارا، فدكت تلك القواعد دكا إلى غاية الصباح، ممّا اضطر الجنرال ديغول أن يطلب من بورقيبة التوسط لدى بن يوسف بن خدة بوقف واحترام القتال فبالنسبة للوحدات عرفنا بأنه توقيف القتال”.
ويصف مقراني تلك اللحظة:« لم تكن هناك بهجة وفرحة لأنّ الفرد الجزائري أصبح يؤمن بأمر واحد وهو الاستقلال وخروج العدو من ترابه، فكانت الوضعية عادية جدا لا يوجد بها زغاريد أو رقص أو سيارات أو جنود كأننا مازلنا في حرب إلى غاية شهر ماي، بدأت الوحدات تدخل إلى التراب الجزائري، لأنّ خط شال وموريس وما بينهما أفخاخ من القنابل والألغام المضادة  للأفراد كلها كمائن.

*كنا نرى في 19 مارس القدر المحتوم
وبحسب شهادة عضو المالغ أنّ أول من دخل الطاهر زبيري بوحداته وتبعه الشاذلي بن جديد ثم بدأت الوحدات تدخل الواحدة تلوى الأخرى إلى يوم الاستفتاء في 3 جويلية، حيث كانوا ينظرون إلى تاريخ 19 مارس 1962 بأنه القدر وليس المفتاح.
كان محدثنا، في ذلك اليوم، متواجد بمنطقة الماء الأحمر بحكم عمله في سلاح الإشارة، فرجع إلى القيادة العامة وسلمهم التقرير الذي بيده وركب في سيارة الجيب رفقة علي منجلي، عبد الرحمان بن سالم قائد المنطقة الشرقية في الوسط وجلس هو على يمين هواري بومدين.
ويروي المجاهد أنّهم دخلوا على أساس المبيت في عين زانة فوجدوا هذه المنطقة فارغة فيها جندي واحد فقط، فأخبرهم القائد محمد زرقيني بأنّهم توجهوا نحو منطقة سوق أهراس، فواصلوا الطريق نحو المكان المسمى السردوك ودون أن يدركوا بأنهم يمشون إلى جنب العربات العسكرية الفرنسية وفي لحظة تفطن علي منجلي فصرخ قائلا:« نحن في كماشة”، وبالفعل لو انتبه جيش العدو لتم إلقاء القبض على بومدين وعلي منجلي.
ويضيف مقراني:« طلب منجلي من السائق العودة فأدار هذا الأخير المقود بسرعة فائقة وانطلق عبر المزارع، شاهدت علم الجزائر في أحدى المزارع فتوجهنا نحو المكان ووجدنا هناك فيلق عبد الرزاق بوحارة”.
ويقول أيضا:« الجنود لما شاهدوا بومدين وبن سالم وعلي منجلي بدأو يصفقون أنهم أحياء بومدين كان رفقة بوحارة وأنا بقيت مع علي منجلي في الخارج، الذي جلس أرضا وأحاطه الجنود يصفقون له فقال لهم هل ترون هذا الشخص الذي ورائي في إشارة لي، انظروا إليه جيّدا، قالوا له أعطوه لنا نقطعه إربا إربا، قال لهم لا تفعلوا شيئا بفضله وأصدقائه في سلاح الإشارة نحن أحياء”.
 ويروي المجاهد أنّه حوالي الساعة الخامسة أخبروهم أنّ الجيش الفرنسي خرج من منطقة سوق أهراس فتوجهوا نحو فيلا كانت لجنرال فرنسي.
 ويقول:« خرجت ليلا لمشاهدة انطباع الشعب وجدته فرحا وفي نفس الوقت حزين لأنّ هناك من فقد والده أو أخيه أو عائلته كلها، وفي الغد توجهنا نحو مطعم شعبي دخلت مع رفاقي اقترب مني أحد العاملين بالمطعم وحضنني بقوّة وقال لي ابني أنت مازلت حيا، فقلت له أنا لست ابنك إن شاء الله ابنك يرجع حيّا فنظر لي وقال أنت لست ابني فلان وأجهش بالبكاء”.
ويضيف:« الجنود المتواجدون عبر الوحدات كانوا مجروحين ولم يشعروا بتوقيف القتال، لأنّ الوضع لم يكن سهلا فتوقيف القتال كانت مرحلة ولدت مراحل أخرى هي الاستفتاء ثم الاستقلال ثم الشروع في البناء”.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19626

العدد 19626

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19625

العدد 19625

الإثنين 18 نوفمبر 2024