عبد الحفيظ بوصوف..العلبة السّوداء لثورة التّحرير

رجـــــــــل دقيق الملاحظــــــــــة وصـــــــارم في احترام الوقــــــت

سهام بوعموشة

 كوّن إطــــــــــارات كفؤة عقيدتهـــــــــا السريــــــــة ونكـــــران الذّات

 يقول شارل روبير أجيرون: «عادة ما يكون خلف الثّورات مجموعة صغيرة من الرجال الحازمين»، وهذا ما ينطبق على عبد الحفيظ بوصوف أو سي مبروك، الإسم الثوري، مؤسّس جهاز المخابرات الجزائرية، والذي ساهم في تكوين أوّل دفعة لسلاح الإشارة سنة 1956 خدمة للثورة. 
 
 طوله 1.78 وجه دائري وعينان مخفيتان بنظارات سوداء ملوّنة وابتسامة صادقة، لكن تخفي وراءها دهاء فاق جيله وثقة بالنفس، خبير بالخطط الحربية الإستراتيجية، له موهبة في التنظيم والإدارة، والقدرة على إيجاد حلول للوضعيات الأشد تعقيدا، دقيق الملاحظة وهب نفسه للمصلحة الوطنية.
قال عنه رفيق السلاح لخضر بن طوبال، إنّه كان العمود الفقري للثورة، وقال عبد الحميد مهري: «ليس للتاريخ أن يحفظ بأنّ بوصوف مهندس وزارة التسليح والإستعلامات العامة فحسب، لأنه كان رجلا سياسيا كبيرا ومسؤولا كبيرا في الثورة».
ويؤكّد تواضع بوصوف بالقول: «في الوقت الذي كان يرتّب لتعيين الوزارة الجديدة للتسليح والإستعلامات العامة، صرّح لي بأنّه سيتجاوز مساعدة الذين يفوقهم معرفة، ولن يطلب سوى خدمات أولئك الذين يفوقونه».
ويشهد عنه من عملوا تحت إمرته بأنه كان رجلا لطيفا كله «مزاح»، قام بدور أساسي في إدارة جبهة التحرير الوطني وتطوير جيش التحرير، بفضل كفاءته ودهائه الخارق، أنشأ مصلحة الإستعلامات وتمّ تكوين قرابة 1500 إطار في مدرسة أسّسها بهويّة جزائرية.
استطاع التغلب على أساليب المصالح السرية للاستعمار الفرنسي للتوثيق الخارجي والجوسسة المضادة وشركائها، غير أنّ الرجل الظل رحل ومعه حقائق وأسرار كثيرة، يصفه إبراهيم لحواسة، إطار سابق في وزارة التسليح والإستعلامات العامة، بالعلبة السوداء للثورة.
ويؤكّد المجاهد المرحوم محمد لمقامي في شهادته، أنّ المديرية الوطنية للإشارة كانت بمثابة البنت الغالية على قلب بوصوف، وبالشقيقة الكبرى لوزارة التسليح والعلاقات العامة (مالغ)، فكانت هي الهيئة الأولى التي أطّرت إطارات أصبحوا فيما بعد قادة لمختلف مصالح هذه الوزارة.
ونفس الأمر يبرزه المجاهد محمد مقراني في تصريح لـ «الشعب»، بالقول إنّ أول نواة تشكّلت لميلاد سلاح الإشارة كان في صائفة 1956 بمدينة وجدة المغربية.
ولد سي مبروك بتاريخ العاشر أوت 1926 بميلة، ينحدر من عائلة مزارعين ثرية، الطفل العاشر في العائلة وأول واحد يكتب له البقاء على قيد الحياة لأنّ والدته فقدت تسعة أطفال قبل ولادته، كان بالنسبة للعائلة فأل خير لأنّه سيتبع بأربعة إخوة وأخوات.
كان والده إماما وقاضي جبهة التحرير الوطني في الولاية الثانية، مثلما أورده المؤلف الصحفي  الشريف عبد الدايم في كتابه الذي يجمع شهادات عن شخصية عبد الحفيظ بوصوف.
ويضيف عبد الدايم أنّ أخويه رشيد وعبد العزيز مناضلين مخلصين للقضية الوطنية، كان رشيد مسبّلا كلّفه بوصوف بنقل الأسلحة نحو المنطقة الثانية (الولاية الثانية لاحقا)، أوقفه الجيش الفرنسي وتلقّى تنكيلا بالمروحية لأنه رفض الإعتراف، تم تعليقه من رجليه وجرّه من ميلة إلى شلغوم العيد والتلاغمة، وألقي من علو ستة أمتار أمام أنظار سكان مدينته لتخويف الأهالي، وقد حمل آثار هذه الممارسة المتوحّشة إلى غاية وفاته في أوت 2007.
أما شقيقه عبد العزيز فكان ينقل القمح من ميلة إلى جبال الميلية، ألقي عليه القبض وخضع للإستنطاق غير أنّ غياب الحجج المعرضة للشبهة جعلهم يخلون سبيله ليسافر إلى فرنسا، ويشتغل في مصنع بمدينة غرونوبل، وموازاة مع ذلك كان ينشط في خلايا فيديرالية جبهة التحرير الوطني بفرنسا، حيث تابع نضاله إلى غاية استرجاع السيادة الوطنية.
ويؤكّد الكاتب التحاق بوصوف بالمدرسة القرآنية في سن السادسة، حيث كان يذهب باستمرار إلى الشيخ سي سعد بوصوف أحد أعضاء العائلة ثم التحق بالمدرسة الفرنسية، ويكشف المؤلف أنّ بوصوف حين بلغ سن العاشرة كان قد شغف بملاحم الأمير عبد القادر والمقراني والشيخ بوعمامة وفاطمة نسومر، وإذا سأله والده ذات يوم عن جدوى هذه الكتب أجابه دون تفكير: «أحب أن أعرف لماذا لم تنجح كل هذه الثورات؟»، وكان يعتز بعروبته.
وحسب شهادة صديق الطفولة محمد الميلي، فإنّ سي مبروك تميّز منذ صغره بتفوّقه في الدراسة وبتواضعه ونزعته نحو الزعامة بالقول: «عرفت بوصوف في المدرسة الإبتدائية بميلة، كان يتجاوزني في ذلك الوقت بثلاثة صفوف، وعلى عكس التلاميذ الآخرين، فقد كان يتميّز بنضاله الكبير، كان يستغل أوقات الإستراحة ليعلّمنا الأغاني الوطنية، كانت له آنذاك هيئة الزعيم».
  شكّل بعض خلايا المناضلين بميلة
  يشير عبد الدايم إلى أنّ هذا الإندفاع الوطني الكبير سيسهم في ذهابه إلى حزب الشعب الجزائري قبل حصوله على أهلية المرحلة الأساسية، وقام في مدينته بتشكيل بعض خلايا المناضلين، كان يجتمع معهم في بيته الكائن في ميلة القديمة، الذي اتخذ لاحقا ملجأ لبعض الوجوه الثورية والسياسية منهم عمار بن عودة وزيغود يوسف.
أظهر بوصوف استياءً غداة مجازر 8 ماي 1945، هناك من يقول بأنّه مزّق رفقة سليمان بوعروج الأعلام الفرنسية التي كانت تزين مدينة ميلة بمناسبة انتصار الحلفاء على ألمانيا النازية، في حين يشهد بعضهم أنّ بوصوف قام رفقة أصدقاء حيّه بتخريب مركز درك ميلة بالحجارة.
وفي سن الـ 16 أصبح عضوا نشطا في المنظمة السرية، تربّى في هذه المنظمة وكلّف بتوزيع المناشير في ميلة ليتم إلصاقها في كل زوايا المدينة، انخرط في المقاومة السياسية الحقيقية مع ثوار كبار منهم محمد بوضياف، العربي بن مهيدي، رابح بيطاط ووجوه أخرى شهيرة في صفوف حزب الشعب الجزائري، نشأ في السرية وتعلّم تدريجيا وفي صمت دراسة الرجال والأشياء ومصالح المشهد السياسي، وسيلج عالم السرية والإستعلام إلى درجة أن لا أحد من قدمائه أو جدده شكك في عبقريته الثورية.
عيّن بوصوف رئيسا لدائرة سكيكدة إلى غاية أواخر 1952، وفي هذا الصدد يقول محمد حربي: «كانت الشرطة تمارس ضغوطات مستمرّة على الموزعين لعرقلة بيع جريدتنا الجزائر الحرّة التي حلّت محل المغرب العربي، ألقي القبض في مدينة القل على عمار بوعكيز ومعه ألف ومائة نسخة من الجزائر الحرّة».
ويضيف: «أمر رئيس الدائرة آنذاك عبد الحفيظ بوصوف الذي حكم عليه غيابيا بسبب مشاركته في التنظيم شبه العسكري في حركة انتصار الحريات الديمقراطية برد فعل سريع، وهكذا تمّ تنظيم مظاهرة».
ويقول أحد مناضلي حزب الشعب الجزائري الذين ساهموا في التحضير لمظاهرات الـ 8 ماي 1945 بسكيكدة محمد بودخنة: «عرفنا بوصوف في عهد المنظمة الخاصة، كانت له شخصية قوية وكان رجلا مدهشا، حدث أن زارنا مرة بثياب شحاذ. أتذكّر جيدا جلابيته المرقّعة، قبعته القديمة المصنوعة من التبن وهيئته المتراخية في مقهى ملك لشخص يدعى تبوش، كانت تلك كلمة سرّه».
ويشير المجاهد: «كنّا في كل مناسبة نغيّر مكان الاجتماع وكان بوصوف من هذه الناحية متناهي الدقة، كان مهتما كثيرا بالتفصيل يأتي بوجه مكشوف بحضور المسؤولين، في حين أنّه كان يغطيه بقناع عندما يكون مع عموم المناضلين كانت إحدى توجيهات المنظمة الخاصة حتى لا ينكشف أمر إطاراتها أمام المخبرين المحتملين الذين يتعاونون مع الشرطة الإستعمارية».
ويكشف: «كان لبوصوف فن الإنمحاء الإختفاء لزمن معين قبل العودة في الوقت الذي لا نتوقعه كثيرا، كان يتميز بإنضباط صارم وبقدرة على إخفاء ما تعلق بحياته الخاصة ومشاعره الشخصية، كان بوصوف يزورنا من حين إلى حين برفقة مسؤولين مثل محمد بوضياف، محمد بلوزداد ولخضر بن طوبال».
كانت الشرطة الفرنسية تبحث عن بوصوف بعد تفكيك المنظمة الخاصة، فتم تحويله رفقة بن مهيدي وبن عبد المالك رمضان إلى وهران، وبدأ بوصوف في دراسة الميدان وكان ينشط تحت إسم سي لحبيب. وفي شهادة أوردها الكتاب للمجاهد بلمكي دريس من منطقة بني سنوس أحد رفاق بوصوف سنة 1953، أن سي مبروك كان يعرف دائما كيف يظهر في مستوى العمل أو المهمة الملقاة على عاتقه يكون أمام الوضع الأشد تعقيدا ويخرج منها ويحلها، يستطيع السير بنفس الخطوة الحذرة في الأماكن الأكثر حراسة لأنّه تعلم خلال سنوات السرية نظام التحكم في الذات.
  كلّما غيّر المنطقة ارتدى جلابة محلية كي لا ينكشف
  يضيف: «حمل في هذه الحياة السرية عدّة أسماء، كان يأخذ معه عند ذهابه إلى المغرب الأقصى رخصة سياقة باسم أحمد المراكشي، وكانت عكس البطاقة الوطنية لا تحمل أيّة إشارة إلى الجنسية، يسافر أحيانا مستخدما اسم أرموند، كان له مخزون لا حد له من البطاقات الوطنية، كان مثل الحرباء كلما غيّر المنطقة ارتدى جلابة محلية ليمر مرور الكرام».
ويذكر رفقاؤه حكمته القاعدية: «على المحارب أن يكون شرسا كنمر جائع متحرّكا كفراشة، ولا يتعب مثل ملور في الماء». ويشير الكاتب إلى أن بوصوف كان يتردّد في وهران على مكتب الطبيب نقاش أين يجتمع بانتظام مع مسؤولي المنظمة الخاصة .
وفي شهادة لشقيقة بوصوف في لقاء لها مع المؤلف عبد الدايم في ديسمبر 2008 تقول: «قبل أيام قليلة من اندلاع الثورة، قام بوصوف بزيارة لأمه الموجودة في ميلة سألته عن تاريخ عودته فأجابها بأنه سيأتي الوقت الذي لن يزور فيه أحدا مرة ثانية»، وفعلا لقد كان ذلك لقاؤه الأخير وهو يحمل مسدسا قديما، ولم يكن إلا بعد الإستقلال.
ويؤكّد الكاتب استنادا لمصادر موثوقة، أن سي مبروك والعربي بن مهيدي وحدهما من كانا على علم بتاريخ وساعة إنطلاق الثورة، وعيّن بوصوف عشية أول نوفمبر 1954 بن محمد العيد للذهاب من أجل ملاقاة العربي بن مهيدي الذي سيصل بالقطار.
كانت كلمة السر التي أعطاها بوصوف لبن محمد هي فسخ وشاحه ثم تسويته، ويشير إلى أن بوصوف هو من اقترح إسم هواري بومدين كإسم حربي، وكلف هذا الأخير بتدريب الجنود كمهمة أولى، وأشرف على عملية نقل الأسلحة على متن سفينة دينا.
يقول عضو المالغ المرحوم محمد لمقامي: «جاء سي مبروك والأشقر (بومدين) الذي وجدته معه عند بوعمامة ليس لزيارتي بل للإقامة في بيتي. تركت لهما غرفتي الوحيدة واحتفظت بالمطبخ، بقيا أزيد من أسبوع وكانا لا يخرجان ليلا، وبالتناوب سوى مرتين أو ثلاث مرات للذهاب لا أدري إلى أين قبل أن يغادرا نهائيا ذات ليلة كما جاءا».
ويشير: «لم يحدث أن سمعت البتة ما كان يجري في الغرفة ما عدا في الصباح الباكر من أحد الأيام، كنت قد حضّرت القهوة ووضعتها أمام باب الغرفة كالعادة، وإذ أدخلها سي مبروك نسي إغلاق الباب بالمفتاح كما كان يفعل بانتظام. لم أكن أسمع من المطبخ سوى صوت سي مبروك، الذي كان يبدو غاضبا جدا من مرافقه نعته بكل الصفات واستنتجت أن الأشقر ليس جنديا مرتزقا على الإطلاق، كان ذلك في نوفمبر 1955».
ويؤكد عبد الدايم أنّ فكرة إنشاء مراكز على طول حدود التراب المغربي كانت إحدى أولوياته، ويصف المجاهد عبد الكريم زاوي سي مبروك بالرجل الفريد من نوعه يتميز بدقة استثنائية، صارما فيما يخص إحترام الوقت والموعد. كان يمتلك المعلومات الجديدة، كانت آلاف الأخبار تذهب إلى طاولة عمله في شكل برقيات وتفحص وتدرس بدقة وتقارن، كان رجلا منهجيا منظما ولا ينتقل إلى الفعل إلا بعد دراسة الوضع.
عمل على اقتناء أحدث أجهزة الراديو، وتزويد جميع الولايات بالمعدات اللازمة للإتصال، فبدءاً من سنة 1958 تخرّجت 13 دفعة في استخدام واستغلال الراديو في الصيانة و5 دفعات في التشغيل.
وبنهاية 1957 جهّزت جميع المناطق الثمانية التابعة للولاية الخامسة بمحطات للإتصال والراديو مع تقنيين، إضافة إلى محطّات أخرى أضيفت لاحقا، وبمجرد إنشاء محطات الإتصال على الحدود الجزائرية التونسية أوكلت مهمة استغلالها لكوادر تم تكوينهم بالولاية الخامسة.
علاوة على ذلك، أنشأ بوصوف شبكة تربط الولايات الثورية بمختلف الهيئات والقيادات مثل الحكومة المؤقتة وقيادة أركان جيش التحرير الوطني، ومحطات أخرى تتكفّل بالمهمات الدبلوماسية في كل من الرباط، تونس، طرابلس، القاهرة، دمشق، بغداد، بكين، كوناكري، باماكو وأكرا.
وأولى بوصوف أهمية بمسألة إلتقاط المعلومات من عمليات تخابر العدو، وتطوير شبكات للتنصّت، فقام بتعيين كل من سي موسى وعمر ثليجي وضابط آخر من بين المتربّصين يدعى أبو الفتح، الذي كان يعمل مع بوضياف في تطوان لتشكيل قيادة الإتصال في الولاية الخامسة سنة 1956.
وخصّصت آلات راقنة وتجهيزات حديثة تحصل عليها مسعود زقار المدعو رشيد كازا من القواعد العسكرية الأمريكية المتواجدة بالمغرب. وكانت المحاضر والتقارير المنجزة بالمركز تنقل كل مساء إلى القيادة عن طريق عون الإتصال لتعالج وتوزّع حسب الإختصاصات، والقيام بإحصاء جميع الأنشطة التي يقوم بها العدو وحلفاؤه، وإعداد حصيلة خاصة بالحرب Bulletin de guerre ، وذلك لبثّها يوميا على الراديو والصحافة الجزائرية، في الوقت الذي تعمل فيه أجهزة التنصت على العدو في سرية تامة على الشريط الحدودي الشرقي والغربي.
في جانفي 1957 قام بوصوف بتكوين 17 متربّصا لغرض تشكيل لجنة للمراقبة والإعلام، وهي دفعة ضمّت 9 رجال و8 نساء وكلفت اللجنة بمهام سياسية، والتحق 16 عنصرا من هذه اللجنة إلى تراب الولاية الخامسة التاريخية من أجل مراقبة المناطق التابعة لها.
 كان يقدّر دور المرأة في الثّورة
   تكشف خديجة بريكسي واحدة من طلبة دفعة المراقبين، أنّها لأول مرة اكتشفت عن كثب أن بوصوف رجل يعي ويقدّر دور المرأة وحضورها في الثورة، والدليل أنّه اعتمد عليهن في مهام حسّاسة تتطلّب السرية التامة، والمتمثلة في تكوين مراقبين في كل منطقة.
وفي ديسمبر 1960، كلّف بوصوف قاصدي مرباح لتحضير ملف عسكري كامل ومرافقة الوفد المفاوض، واشتمل الملف مخطّطات خاصة بالقاعدة البحرية في المرسى الكبير تضمّنت رسم الحدود التي يمنع على الفرنسيين الإقتراب منها، تحصل عليها من خلال ربورتاجات صحفية معدّة من قبل فرنسيين يساريين داعمين للقضية الجزائرية، خريطة تبين مواقع الثروات الباطنية عبر التراب الوطني.
استطاع بوصوف تجنيد العديد من الشخصيات الأجنبية سواء على الصعيد الإيديولوجي أو من خلال اللعب على وتر الإنتماء للوطن الجزائري أو الأمة العربية الإسلامية، وهو ما فعله بالضبط مع بعض النواب المسلمين أو ما سمي بالقوة الثالثة بجذبه لهم ليكونوا دعما وسندا للثورة، إذ تمّ تنظيمهم في خلايا خاصة داخل الفدرالية الفرنسية في باريس منهم حقيقي من وهران، بن شيكو من قسنطينة وخيرات من مستغانم، الذين سعوا في كل مرة لإفادة الثورة بالمعلومات والدعم اللوجستي.
وحسب شهادة عمر بن عودة عند انعقاد اجتماع الـ 22، تناول القادة مسألة التسليح فأجاب بوصوف بأنّ الثورة لابد أن تصنع سلاحها بنفسها، وهو الحلم الذي لطالما راود بوصوف، الذي كان يجيد صنع المولوطوف منذ كان شابا حسب ما رواه الكثير من مقربيه، وعرف أيضا بتصنيعه للقنابل اليدوية عندما كان في المنطقة السرية، وتؤكّد الشهادات أنّه كان وراء صنع تلك القنبلة التي فجّرت أول دبابة فرنسية في منطقة بوسعيد.
واصل بوصوف العمل في تجارة السلاح مثل مسعود زقار، الذي كان الساعد الخفي للرئيس بومدين، واستخدمت اتصالاتهما في هذا الشأن وساعدا الكثير من الدول على التحرر، وعملا على تشكيل جماعة ضغط من الجزائريين في الولايات المتحدة الأمريكية.
رحل بوصوف بتاريخ 31 ديسمبر 1980 في شقته الصغيرة بباريس بسبب إصابته بسكتة قلبية مفاجئة أثناء حديث ودّي له مع المعارض المغربي سي محمد فقيه البصري، الذي كان يعايده بمناسبة العام الجديد. 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19626

العدد 19626

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19625

العدد 19625

الإثنين 18 نوفمبر 2024