أصدرت مجلة نقد للدراسات وللنقد الاجتماعي، التي يشرف عليها دحو جربال أستاذ محاضر بجامعة الجزائر-02 ببوزريعة، بالعاصمة، مجموعة جديدة خارج السلسلة موجهة لجمهور أوسع، تتمثل في كتيّب بعنوان: «مظاهرات 11 ديسمبر 1960، ديان بيان فو السياسي لحرب تحرير الجزائر»، يتراوح عدد صفحاته ما بين 120 إلى 150 صفحة باللغتين العربية والفرنسية.
يستعرض الكتاب مقالات لمؤرخين جزائريين وأوروبيين، نذكر منهم الأستاذ دحو جربال، محمد حربي، موريس فايس، هارتموت إلسنهانس، ويعتبر الكتيب إضافة للمكتبة المدرسية والجامعية، خاصة وأنه يرتكز على الأرشيف.
تناول الدكتور جربال في هذا الكتاب أثر المظاهرات على الثورة في معاقلها، مشيرا لضرورة وضع الحدث في سياق معين وتبيان وضعية هذه المعاقل قائلا: «الحديث عن معاقل الثورة لا يعني فقط المجموعات المسلحة أو وحدات قتال متفرّقة، ورجال مسلحين سوف يندفعون للهجوم على جيش أجنبي مدعوم بعتاد ضخم»، مشيرا إلى أن معاقل الثورة كانت مهددة بالشلل، ولم يعد بالإمكان اجتماع مجلس الولاية، مثلما كان من قبل لكي يحدد خطة السير، تعرض أعضاؤه بدورهم للتشتيت.
وأوضح جربال، أن مظاهرات 11 ديسمبر 1960 تطرح مسألة الذات الفاعلة في تاريخ حرب التحرير، وهي المسألة التي تظهر في صلب الحدث التاريخي وتتيح معرفة كيفية انبثاق فاعل جديد هو «الشعب» في مدن الجزائر، وكيف أن هذا التفاعل، مثلما هو الحال بالنسبة للفاعل في الأرياف، مبرزا أن الشعب طرح نفسه في الذاكرة الجماعية كفاعل قائم بذاته مثل المناضل، المسبل، الجندي أو المجاهد.
وأضاف، أن رحيل القيادة السياسية نحو الخارج، تكوين أجهزة سياسية وعسكرية على الحدود شبيه بتنظيم دولة (حكومة مؤقتة، قيادة أركان عامة، مكتب سياسي لجبهة التحرير) سوف تنازع هذا الفاعل الجديد على دوره في تحرير الجزائر، وتفرض نفسها عليه بسلسلة من الإرغامات أوصلتها إلى سلطة لا ينازعها عليها أحد.
وبحسب أستاذ التاريخ، فإنه سيكون من الخطأ، من وجهة نظر تاريخية، إعتبار أنه بعد الفاتح نوفمبر 1954 تم بنينة الأرياف من قبل جبهة وجيش التحرير الوطنيين بدون مشاكل، قائلا: «وبأن السكان قد انضموا بعفوية للمشروع الثوري الذي اضطلع بضع عشرات من المناضلين الذين ثاروا ضد فرنسا بل أيضا ضد حزبهم السياسي، سرعان ما فهم قادة معاقل الثورة أن استمرار وجودهم في وسط، برغم ما يقال عنه، لم يكن مأمون الجانب، فقد ظل مرهونا مادامت علاقات القوى مازالت في صالح جيش الإحتلال».
وأشار إلى أن مدينة الجزائر كانت هدفا دوليا وصندوق رجع لصدى الحرب التي تم خوضها في مجموع البلاد، وأصبحت بالنسبة للقيادة العسكرية الفرنسية أحد الرهانات الأساسية للحرب التي تخوضها في الجزائر، فكان الهم الأول بالنسبة لكل من روبير لاكوست والفريق ماسو إقناع العالم بأن السلم عاد إلى مدينة الجزائر.
وأضاف، أنه على الصعيد الإستراتيجي هو سعي جيش التحرير المحافظة على الصلة مع التنظيم المدني للشعب، الضامن الوحيد لبقاء المقاومة المسلحة. مشيرا إلى أن مخطط شال لم ينجح في كسر الإرتباط بين الشعب وطلائعه المنظمة عسكريا، قائلا: «لم تكن مظاهرات ديسمبر 1960 أبدا متوقعة، سواء بالنسبة للحكومة المؤقتة للثورة الجزائرية أو بالنسبة للولايات في الداخل».
من جهته أبرز محمد حربي، انعكاسات المظاهرات الشعبية على فرنسا، بحيث وسعت الشرخ بين أنصار المفاوضات ودعاة «الجزائر فرنسية»، وانتقل للصراع المفتوح، قائلا: «كانت الأذهان النبيهة تدفع إلى حل سريع لكي تتجنب كل تصعيد راديكالي للثورة، كما حصل في كوبا وفي الرأي العام الجزائري، تحول المواقف ليصب في فائدة جبهة التحرير الوطني ويجعلها مؤهلة لمحاورة فرنسا، جميع النوايا الحسنة التي أبدتها سلطة الإحتلال اصطدمت بإرادة الإستقلال».
ويقول المؤرخ الألماني هارتموت الزينهانس، إنه عندما بدأت المظاهرات الجماهيرية في 10 و11 ديسمبر 1960 في المدن الجزائرية الكبرى، بدأ الوصول إلى الإستقلال وشيكا، لكن الشكل الذي سيكون عليه لم يكن واضحا بعد. مؤكدا أن المظاهرات تمثل على الصعيد الإستراتيجي والسياسي الحجة على الطابع الوهمي لجميع الجهود التي قامت بها القوة الإستعمارية لقيادة الثورة الجزائرية حسب مصالحها الخاصة.