تناول الكتاب الذي أصدرته وزارة المجاهدين، في طبعة خاصة سنة 2018، للأستاذ عبد الحميد إبراهيم قادري، والذي حمل عنوان « الولاية السادسة التاريخية : وقائع وأحداث من المنطقة الرابعة 1956-1962 «، أهم المعارك المسجلة بالمنطقة من بينها معركة السخونة، وبحر دوني، تمرنة الجديدة، الأبرق، قرداش وغيرها، كما أعطى السيرة النضالية لبعض الشهداء، وعرف بالمنطقة ومواجهتها للإحتلال الفرنسي.
في هذا الصدد، أوضح الأستاذ قادري أنه، بعد التمشيط الذي قامت به القوات الإستعمارية، ما بين سنتي 1956 و1957، عاد النشاط الثوري إلى سابق عهده بتنظيم أدق مما كان، حيث سمح لعدد كبير من الشباب من الإلتحاق بالثورة والعمل الجهادي والإنخراط في صفوف جيش التحرير الوطني، واستمر الأمر كذلك بالرغم من المداهمات المتكررة من الجيش الفرنسي والحصار المضروب على بعض القرى التي وضعها الإستعمار في القائمة السوداء كأم الطيور، وسيدي خليل والمغير والبارد وتقديدين، بحكم أن هذه القرى كانت قواعد ينطلق منها المسبلون والفدائيون لتنفيذ عملياتهم، وصارت مخابئ أمنة تأوي المجاهدين والعابرين بالأسلحة وحاملي بريد الثورة.
وأضاف أن المنطقة شهدت عدة معارك لإفشال خطط ديغول السياسية والعسكرية والإجتماعية، منها معركة السخونة التي وقعت بتاريخ 02 فيفري 1958 بمزرعة ابن قانة بتقديدين الصحن، وقد تحققت أجهزة الإستخبار بوجودهم في المكان المذكور، استنفرت قواتها وتحركت صوب المكان فطوقته وضربت عليه حصارا شديدا، حاول المجاهدون التسلل وتفويت الفرصة على العدو، إلا أن الحصار كان شديدا والمراقبة كانت مشددة والمعلومات التي وصلتهم كانت دقيقة، فلم يبق من سبيل أمام المجموعة إلا المبادرة بإطلاق النار والدخول في الإشتباك مع العدو لأخذ زمام المبادرة.
وبعد معركة حامية شديدة الوقع على العدو، أسفرت عن استشهاد سبعة شهداء هم البطل سلطاني صالح، سلطاني عبد الله، مسعودي بلقاسم، العيد جديدي، عجيمي محمد بن علي، جدلعي السايح، بن قدور الزهرة، وقع في الأسر سلطاني عبد الحميد وعياط المكي ومحمد بن عبد الباقي، أما خسائر العدو فقد خسر ما يقارب من أربعين عسكريا وتحطيم آليات عسكرية.
وفيما يتعلق بمعركة «بحر دوني» فإنه بعد عملية التمشيط الواسعة التي قامت بها قوات اللفيف الأجنبي والحملات القمعية التي استهدفت المسبلين والمؤيدين والمساهمين في المجهود الثوري، والزج بهم في السجون والمعتقلات والمحتشدات والتحاق عدد كبير بجيش التحرير، أصبحت المنطقة شبه هادئة خالية من المناضلين النشيطين والمسبلين، فاعتقد العدو أنه قضى على الثورة في الجهة وأصبحت معزولة، وأخذت نشوة الإنتصار تداعب قادة الوحدات العسكرية، وابتهجوا قليلا بنجاح خطتهم وقاموا بحملة نفسية قادها ضباط في جهاز الاستخبارات من اليهود وعملاء من الحركى، منهم الحركي موسى بولحية الذي استعمل كل وسائل الإغراء والمراوغة في ناحية المغير، لقتل الروح المعنوية العالية في الجماهير.
وحسب المؤلف فإنه، في بداية 1958، بعد استشهاد مجموعة صالح الباردي في معركة سخونة، قررت الولاية إعادة ترتيب البيت من جديد والإسراع في إعادة تنشيط الحركة الثورية، وترميم خيوط الإتصال التي خرب بعضها الجهاز العسكري الفرنسي، فبعثت القيادة بمجموعة من المجاهدين بقيادة الشهيد علي ماضي، لتنصيب لجان لقسمات وخلايا عمل جديدة فالتأم اجتماع بوادي التل، يوم 12 ماي 1958، تحت إشراف الملازم الشهيد علي ماضي، ومن هناك شرعوا في تنصيب قسمات وخلايا المنظمة المدنية لجبهة التحرير، ومجموعات العمل والدعم والمساندة فانقسموا إلى أربعة أفواج.
توجه الفوج الأول إلى جامعة يترأسه بركات والفوج الثاني توجه إلى أم الطيور، فنصبوا لجنة قسمة أم الطيور، تشكلت من سبع رمضان، جلال عمر، زواويد إبراهيم، العيد حسين، وتوجه الفوج الثالث بقيادة علي ماضي إلى نسيغة فنصبوا فيها خلية ترأسها الحاج أحمد بالعلمي، ثم انتقل الفوج إلى المغير وهناك التقى الفوجان، فتم تنصيب القسمة متكونة من الطيب بوزقاق، لخضر بن عبد القادر الزغيدي، أحمد برابح.
وفور تنصيب اللجنة، انتقلوا إلى سيدي خليل فاتصلوا بالبري عبد المجيد، وكلفوه باستدعاء العناصر الذين ستتشكل منهم الخلية، وتم تنصيب لجنة الخلية في كنف السرية التامة برئاسة الطاهر برابح وعضوية علي السلمي، عبد الله بلحشاني ورابح السلمي، وعبد المجيد البري ولم يشعر بوجودهم غير أعضاء اللجنة.
قضوا ليلتهم بسيدي خليل آمنين ولم يحدث أي شيء، وفي الصباح وصل إلى العدو نبأ اختطاف أحد العملاء، فتحركت قواته لملاحقة المختطفين واقتفاء أثارهم بمساعدة الحركي الخبيرين وقد بث العدو عيونه في القرى والمداشر على امتداد خط أم الطيور تقرت، فأحس بعض العملاء بحركة غير عادية في القرية، وقد سمع بحادثة الاختطاف، فبلغ بوجود حركة غير عادية بسيدي خليل فجهز العدو قواته وتحركت نحو قرية سيدي خليل.
وفي يوم 13ماي 1958، استيقظ سكان القرية على قوات الجيش الفرنسي تجوب أزقة القرية، انتشر الحركى في وسط السوق، وتوزع بعضهم على مداخل الأزقة والشوارع يراقبون حركات الأهالي، وقد كان الأمر إلى هذا الحد عاديا، ولم يتبين للساكنة شيء من هذه الحركة واعتبروها حركة روتينية تعودوها كل أسبوع، كلما أحس العدو بتحركات الثوار أو جاءته معلومات عن المسبلين والفدائيين، يقوم بمداهمات وإجراءات وقائية، كما يسمونها بالإضافة إلى عمليات الترهيب والترغيب.
وجندت القوات الهائلة المعززة بالدبابات والمدفعية، وعملية الإنزال الجوي لرجال المظلات في محيط محطة القطار، وقد أحاطت تلك بغابات النخيل، عندئذ احتار السكان وظن البعض أن وجود مثل هذه القوات جاء لإعتقال البقية الباقية من الرجال الذين لم يطلهم حصار التسعة أيام، الذي حدث في جانفي، لكنهم هذه المرة لم يداهموا بيتا، ولم يوقفوا أحدا، وفي هذا الجو المتوتر، ووجود القوة الإستعمارية الضاربة، استطاع المجاهدون أن يفوتوا على العدو فرصة اكتشاف التنظيم مرة أخرى، فتمكن موسى شهرة وأحمد بن خليل وآخرون وعددهم ستة من الإنسحاب بالوثائق السرية، أما بقية المجموعة وهم ستة أيضا، فتقدموا نحو القرية لفك الحصار وكسر الحاجز النفسي الذي يعيشه السكان.
لكن العدو شرع في التمشيط في اتجاهين متعاكسين، فاضطرت المجموعة لإطلاق النار على القوات الزاحفة، وأحدثوا في صفوفه إرباكا وفزعا، فرجعت قواته أدراجها لجمع شتاتها، ثم أعادوا الكرّة من جديد واحتجزوا كل من وجدوه في طريقهم من الفلاحين، وكونوا بهم درعا بشريا، فتفطن المجاهدون لهذه الخطة فاعتمدوا أسلوب القنص، وأوهموا العدو بكثرتهم، وتعدد مواقعهم، وتواصل القنص من الساعة الخامسة إلى الساعة السابعة مساء، فاختلط الأمر على العدو مرة أخرى.
وأضاف الأستاذ قادري، أن المواجهة تحوّلت بين وحداته ولما أحس بخطورة الوضع، أعطت قيادته الأوامر بالإنسحاب والتراجع ليفتح المجال للطائرات التي استعملت قنابل النابلم، والقصف المكثف على مصادر إطلاق النار، فأسفر القصف على استشهاد خمسة من المجاهدين، منهم الضابط علي ماضي ومحمد خليف، وجرح عمر قرندي، وقتل من العدو ما يزيد عن ثمانين وجرح أكثر من مائة بشهادة بعض الحركى الذين حضروا المعركة، وما تحدث به صاحب البيت الذي اتخذوه مصحة تستقبل الجرحى.