إحياء الذاكرة التاريخية فرصة لاحتضان الجزائر أشقاءها
يعود الدكتور، جمال ورتي، أستاذ بجامعة سوق أهراس، إلى ذكرى مجزرة ساقية سيدي يوسف، مستذكرا صور التلاحم وروابط الأخوة بين الشعبين الضاربة في القدم، الأحداث التي تعود جذورها أن اثنين من بايات الأسرة المرادية في تونس، أمهاتهما من لحنانشة بمنطقة سوق أهراس، لافتا إلى أن الحواجز والحدود لم تفصل يوما بين الشعبين الشقيقين، بل سمحت بفعل امتزاج دماء الضحايا الأبرياء الذين خلفهم القصف بهذه القرية، بتجديد التضامن والدعم للثورة التحريرية.
الشعب : مجزرة ساقية سيدي يوسف كمحطة مجيدة من تاريخ الثورة التحريرية، ما هو الزخم الدولي الذي أضافته للثورة آنذاك؟
الدكتور ورتي: إن الاعتداء على ساقية سيدي يوسف التونسية، كان يعبر عن الوضعية المتدهورة التي آلت إليها الجمهورية الفرنسية الرابعة، وترديد مقولة «الجزائر فرنسية» فازداد الوضع تفاقما والتحرش الفرنسي حدة، إثر القرار الذي أصدرته فرنسا في أول سبتمبر 1956، والذي ينص على حق الملاحقة لوحدات جيش التحرير الوطني، بعد لجوئها إلى داخل الأراضي التونسية مضيفا أن بين جويلية 1957 إلى غاية جانفي 1958، نفذ جيش التحرير الوطني 84 عملية على الحدود الجزائرية التونسية.
مواقف دولية ترجع سبب الغارة إلى تحول هام في مسار الثورة الجزائرية، حيث اتسع طرح القضية الجزائرية على الصعيد الدولي، إذ أن قيادة الثورة أعربت عن تضامنها المطلق مع الشعب التونسي ووضعها لوحدات جيش التحرير الوطني تحت تصرف الحكومة التونسية للوقوف في وجه العدو المشترك. أما مصر فقد أعربت وقتها عن تضامنها مع الشعب التونسي لتجاوز محنته على غرار سوريا التي قامت بنفس الشيء، فيما بعث ملك المغرب محمد الخامس ببرقية تعزية إلى نظيره التونسي وأرسل إلى ولي عهده ووزير خارجيته اللذين كانا في زيارة لفرنسا يأمرهما بالعودة. من جهتها وصفت الولايات المتحدة الأمريكية الغارة على ساقية سيدي يوسف ب»العمل الجنوني» الذي عوض أن يلحق الضرر بمعنويات الثوار الجزائريين إلا أنه زاد وقوى من عزيمتهم، أيضا الاتحاد السوفياتي وقتها أرجع سبب الغارة إلى يأس فرنسا في كبح جماح شعب ثائر.
الشعب : كيف يمكن أن يستثمر في الذاكرة التاريخية، لإعادة بعث العلاقات انطلاقا من المصير المشترك والمواقف الثنائية الخالدة؟
الدكتور ورتي: سؤال مهم، يجب أن نستشرف بناء المستقبل انطلاقا من الاستثمار في رواسب الماضي، وخاصة الماضي الخالد والمشرف الذي ربط هذه الأمة من المحيط إلى الخليج، إن التاريخ والمصير المشترك للأمة العربية وخاصة دول الجوار المغاربي، التي عانت ويلات الاستعمار الفرنسي البغيض، يجب أن تستلهم من الماضي سبل وأواصر الاتحاد والتكتل، فما يجمعنا كدول وشعوب أكثر بكثير مما يفرقنا، وبالتالي من هذا المنبر نتمنى أن يعاد بعض الاتحاد المغاربي العربي الذي يعتبر الاتحاد الإقليمي لبوابة القارة الإفريقية، الخمس دول يمكن أن يكون لها شأن استراتيجي واقتصادي وحضاري إذا اجتمعت في تكتل واحد.
هذه العلاقات يجب أن تعزز انطلاقا من الاحتفاء بالذاكرة التاريخية، وتصفيتها وتنقيتها من مختلف الشوائب والرواسب الاستعمارية التي لعبت طويلا على وتر فرق تسد، لكن من منطلق حضاري ولغوي وديني، منطقة المغرب العربي الكبير هي قطعة واحدة.