تفقد الجزائر مرة أخرى أحد رجالاتها ومجاهديها الأشاوس من الولاية التاريخية الثانية الشمال القسنطيني المجاهد والوزير السابق للعلاقات مع البرلمان، وعضوالقيادة الوطنية لمنظمة المجاهدين محمد كشود، إن العين لتدمع والقلب ليحزن بفقدان مثل هذه الشخصية التاريخية التي ضحت بالنفس والنفيس من أجل الجزائر إبان الثورة وعمره لا يتجاوز 17 سنة ليواصل المسيرة بعد الإستقلال، وتشاء الصدف أن يتوفى ثلاثة أيام عن ذكرى استشهاد البطل مراد ديدوش.
الخبر نزل علينا كالصاعقة، كان في كل مرة نستدعيه لتنشيط ندوة بجريدة «الشعب» للإدلاء بشهادته عن بعض الأحداث خلال الثورة فيلبي طلبنا رغم إلتزاماته أخرها كانت ندوة حول الرئيس الراحل هواري بومدين، وكنت قد برمجت موعد للحديث عن الشهيدة مريم بوعتورة وصديقه الشهيد حملاوي، لكن للأسف القدر حال دون أن نستكمل ذلك، رحمة الله عليه.
الفقيد المجاهد ترك مذكراته بعنوان «شموع الذاكرة» من تحقيق الأستاذ الدكتور علي خلاصي سبق وأن حدثني عنها، هذا الكتاب يعكس مذكرات فدائيا شاب مكافح لم يتمتع بصغره كبقية أقرانه في العالم، فوهب حياته للجهاد سجن ولم يبلغ سن الرشد، كان يدعى أثناء الثورة بسي مراد أوسي
عبد الله كان يفتخر بكونه فدائي في صفوق جبهة التحرير الوطني رغم رفض والده لصغر سنه ولأنه وحيده.
أصبح ضابطا بالولاية الثانية ثم رئيسا لبلدية التلاغمة وعمره لا يزيد عن 23 سنة فإطار سامي بعد إسترجاع السيادة الوطنية، عاد للتحصيل بالجامعة وتحصل على شهادة ليسانس في الأدب العربي وشهادة الدراسات المعمقة في نفس الإختصاص، ثم إلتحق بكلية الحقوق، حيث تحصل على شهادتي ليسانس وماجيستر، ودكتوراة دولة في الحقوق.
استغرق العمل على المذكرات التي بلغ عدد صفحاتها422 صفحة قرابة سنتين، ويضم المؤلف مدخل ومقدمة وستة فصول، ففي الفصل الأول بعنوان «الأصل والإنتماء» تحدث عن الإنتقال إلى مدينة قسنطينة، والعمل الفدائي بالمدينة في 20 أوت 1955، أما الفصل الثاني فعنون بهيكلة مدينة قسنطينة بين المنظمات الفرنسية ولايا الفداء، تأطير المدينة، مراكز التعذيب، المنظمة السرية للتنسيق العسكري، نظام الفداء بالمنطقة الخامسة بعد إجتماع لجنة التنسيق في نوفمبر 1958، والفصل الثالث تناول أسماء السجون والمعتقلات والجلاد.
أما الفصل الرابع تطرق لعودته لصفوف جيش التحرير الوطني في حين الفصل الخامس تناول بالتفصيل معركة قسنطينة في 27 أفريل 1960 ومعارك جويلية 1958 و7 و8 جانفي 1960، معركة 8 و9 جوان 1960، وفي الفصل السادس سمي بنسيم الحرية تحدث فيه عن سجن الكدية بقسنطينة وعودته للجبل وحصار السطارة، والفصل السابع العودة للمدينة بعد وقف إطلاق النار في 19 مارس 1962.
وتحدث المجاهد الفقيد في مذكراته أيضا عن الشهيدة مريم بوعتورة والكتاب مرفق بصور وملاحق بجداول تضم قائمة شهداء ثورة نوفمبر بولاية قسنطينة وجدول آخر للعمل الميداني بمدينة قسنطينة ما بين 1959 و1962. ونسخة للمقال الذي نشر بيومية لاديباش إثر فرار مساجين الكدية منهم كشود محمد.
وفي مذكراته يقول الفقيد أنه كاد أن يكون من كتاب القيادة في المنطقة الأولى، حيث بعث بشير شيحاني أحد الموفدين من طرفه يطلبه، قائلا:»انفجرت الثورة وعمري لا يتجاوز ال15 سنة وبسبب بنيتي القوية التي توحي بكبر سني، تقدم بعض رعيل الثورة الأول من أصدقاء أبي فطلبوا منه أن ألتحق بهم ككاتب لحاجتهم لمن يتقن القراءة والكتابة»، لكن والده رفض. مضيفا أنه كان على استعداد لتلبية نداء الوطن وعمره لم يتجاوز ال17 والنصف من أجل استمرار لهيب الثورة، وإحياء الجمر المدفون تحت الرماد لمواصلة مسيرة الفداء بالمدينة، فجاءت الظروف المواتية حيث بدأت قيادة المنطقة الثانية بالاتصالات بالشباب الذين كانوا تحت النظر.