الشباب الجزائري يردّ بقوة على الأبواق الناعقة والمأجورة عبر «الفايسبوك»، «تويتر» و«انستغرام»

هاشتاغ «نروح نفوطي واحد ما يخوفني» يزلزل مواقع التواصل الاجتماعي

عمار حميسي

 تمر الجزائر بفترة حسّاسة تتطلّب تضافر جهود الجميع من الخروج منها بسلام، خاصة ان الأمر يتعلّق بالانتخابات الرئاسية التي ستفرز رئيسا جديدا يقود البلاد خلال الخمس سنوات المقبلة، حيث سيتمّّ تنظيم الانتخابات الخميس المقبل ومع بعض الحملات المشبوهة التي ظهرت وتنادي بعدم الانتخاب. فضّل مجموعة من الشباب ابراز رغبتهم في القيام بواجبهم الانتخابي من خلال «هاشتاغ» يلقى رواجا كبيرا على مستوى وسائل التواصل الاجتماعي تحت شعار «نروح نفوطي واحد ما يخوفني».

 ارتأت صفحة «شباب بلادي» خلال هذا الاسبوع التطرّق لهذا الموضوع، خاصة انه اضحى يلقي بظلاله على المشاركة الانتخابية وكيفية تحفيز الشباب على القيام بواجبهم الانتخابي من خلال المشاركة بقوة في الاقتراع وانتخاب الرئيس المقبل الذي سيمثلهم على مدار خمس سنوات كاملة.
وبالنظر الى الدور الكبير التي تلعبه وسائل التواصل الاجتماعي ومدى تأثيرها على الشباب خاصة انها تصل إليهم بسرعة لاقى هذا «الهاشتاغ» رواجا كبيرا على «تويتر» قبل ان ينتقل الى الفايسبوك الذي تفاعل مستخدموه بإيجابية كبيرة مع هذا الامر وزاد من تحفيزهم على القيام بواجبهم الانتخابي الخميس المقبل.
وقامت «الشعب» بجسّ نبض بعض الشباب على مستوى بعض الاحياء الشعبية، حيث أبدوا رغبة كبيرة في التقدم نحو الامام وتجاوز الفترة الحالية من خلال اختيار رئيسهم بكل حرية، حيث اكد محمد صاحب محل للمواد الغذائية رغبته في الانتخاب بقوله «الانتخابات واجب و غم انني لم انتخب خلال الفترة الماضية الا انني متحمس للقيام بواجبي الانتخابي يوم الخميس المقبل ولا اخفي عليكم ان صفحة «نروح نفوطي واحد ما يخوفني» حمستني كثيرا على القيام بواجبي الانتخابي على اكمل وجه، خاصة ان الأمور غير محسومة كما كانت في السابق وعلينا الاختيار من بين الفرسان الخمسة المتواجدين في السباق».
كما اكد فريد وهو طالب جامعي ان الانتخابات المقبلة فرصة للتعبير لكل حرية وقال «من الطبيعي ان اقوم بواجبي رغم انني لم اقم به سابقا، لكن حاليا الأمور تغيرت بعد الحراك السلمي الذي عرفته الجزائر واطاح بالعصابة المتواجدة خلف القضبان وهو الأمر الذي حمسني على القيام بواجبي الانتخابي في الفترة المقبلة وهو ما اطالب الشباب بالقيام به واقول لهم قوموا بواجبكم الانتخابي ولا تتراجعوا الى الخلف».
لعبت مواقع التواصل الاجتماعي دورا مهما في الانتخابات وظهرت هذه المواقع كأحد روافد الإعلام الإلكتروني وسعت إلى الـتأثير في الرأي العام والحشد عبر المجموعات أو الصفحات.
لكن ما هي فاعلية هذه المواقع على صعيد التأثير في الرأي العام الانتخابي؟ وكيف يتم ذلك؟  

أقصر طريق إلى عقل الشباب

أثّرت مواقع التواصل الاجتماعي في مسار الانتخابات في الدول الأوروبية والأمريكية بشكل واضح ويستخدم معظم المرشحين حساباتهم على موقع الفيسبوك للترويج الانتخابي محاولين الـتأثير في جمهورهم وحشده لتأييد مشاريعهم وآرائهم...
 وأن استخدام مواقع التواصل الاجتماعي في العملية الانتخابية يتمّ من.
الأول هو مخاطبة المرشحين لجمهورهم وممارسة الإعلام الانتخابي أما الثاني فهو استخدام مواقع التواصل في الدعاية والإعلان.
يستخدم المرشحون هذه المواقع للتواصل مع جماهيرهم وعرض برامجهم وطروحاتهم بهدف الحشد ورفع نسبة الأصوات المؤيدة، لكن لا بدا من الإشارة إلى أن هذه العملية يجب أن تبقى ضمن ما تفرضه أخلاقيات التخاطب مع الجمهور والابتعاد عن الإساءة للمرشحين الآخرين فاستخدام ما يسمى بخطاب الكراهية الذي يتضمن التشهير  الذم أو القدح أو نشر معلومات مضللة عن مرشح آخر يعرض المرتكب إلى الملاحقة القانونية وفق القوانين.

محاولة حشد أكبر عدد من المتابعين

 مواقع التواصل الاجتماعي ليست بوسائل إعلام وهي ترسي قاعدة تكافؤ الفرص بين المرشحين ومناصريهم لناحية الإعلام الانتخابي فهي مكّنت كل مرشح من خلق بيئة إلكترونية للتواصل مع الجمهور.
في ما يخصّ الإنفاق الإعلاني للمرشّحين عبر منصات مواقع التواصل الاجتماعي يستطيع المرشح اللجوء إلى الإعلانات الانتخابية المدفوعة عبر هذه المواقع.   
أما في ما يتعلق بتأثير الحملات الانتخابية عبر مواقع التواصل الاجتماعي على اتجاهات الرأي العام وقدرتها على تغيير أراء الناخبين أو المقترعين فمن الصعب التنبؤ بالنتائج من دون دراسات علمية، خاصة أن العملية الانتخابية مضبوطة لضمان الشفافية، وبالتالي فإن الحملات عبر مواقع التواصل الاجتماعي لا يمكن أن تسهم في تغيير آراء الناخبين بسهولة، لكن الأكيد أنها شكلت فرصة أمام المرشحين لعرض برامجهم الانتخابية والتواصل مع ناخبيهم.
في السياق عينه، يمكن لوسائل التواصل الاجتماعي عبر ما تتضمنه من حملات واقتراحات التأثير على الناس وتشكيل الرأي العام في الدول الديمقراطية، حيث خيارات الناخبين ليست طائفية أو عائلية فمن المستحيل أن يتأثر بالشعارات أو الحملات الانتخابية لأن الثقة غير موجودة والرأي العام مبعثر، إضافة الى أن وسائل التواصل الاجتماعي تؤدي دورا في خدمة بعض المرشحين ذوي الإمكانات المادية المتواضعة  بحيث يتمكنون عبرها من الإعلان عن برامجهم بأسعار منخفضة ومخاطبة عدد كبير من المتابعين.
 لكن هذا الأمر لن يؤثر في النتائج الانتخابية وإنما يزيد من عدد المنتخبين المؤيدين للمترشحين المعروفين، كما أن الفيسبوك وتويتر هما وسائل للتواصل والاتصال وليستا وسائل إعلامية تقدم المحتوى، وقد تكونان وسيلة لزيادة الناخبين ولحشد الجماهير، لكنهما حتما لن يغيرا النتائج.
 كما يعطى تعريف آخر لهذه العملية والتي تعرف بالنشر الذكي على اعتبار أنها من أقوى الطرق التسويقية للخدمات والمنتجات وأكثرها فاعلية وهي توفر للمرشحين طريقة سهلة للوصول إلى الناخبين، كما أنها توفر لهم تقارير تفصيلية عن حملاتهم وتأثيرها.

تشجيع الشباب على المشاركة الانتخابية

حدّدت الجمعية العامة للأمم المتحدة عند إعلانها العام الدولي للشباب أربعة أنواع لمشاركة الشباب في الحياة العامة وهي: المشاركة الاقتصادية المتمثلة في فرصة عمل والمشاركة الثقافية والمشاركة المجتمعية والتطوّع بهدف خدمة المجتمع وتنمية البيئة والمشاركة السياسية في صنع القرار والسلطة.
وتعدّ المشاركة السياسية للشباب ابتداء  مـن الانـضمام للأحـزاب والاتحادات المهنية والنقابية إلى الترشيح للمناصب العامة وتولي تلك المناصب إلى التصويت فـي الانتخابـات الرئاسـية والبرلمانيـة والمحلية إلى المشاركة في الحملات الانتخابية والمؤتمرات والندوات المعنية بتسيير شئون المجتمع إحـدى أهم دعامات المواطنة وديمقراطيـة المـشاركة لـدى المجتمعـات المعاصرة.
على الرغم مما تضمنته الإعلانات واللوائح والبرامج الدولية والدساتير والقـوانين الوطنية من مبادئ الديمقراطية التي تشجع على مشاركة الشباب في الحياة السياسية، إلا أن اسـتقراء واقع هذه المشاركة يشير إلى ضعف مـستواها، حيـث لا يحـرص الـشباب علـى المشاركة في الانتخابات إلا نادرا.
فثمة دليل قوي على أن مشاركة الشباب في العمليات السياسية الرسمية والمؤسسية أقل نسبيا من مشاركة المواطنين الأكبر سنا في جميع أنحاء العالم، ويمثل التصويت وهو أحد أهم الطرق الرسمية للمشاركة مثالا واضحا على ذلك،  ففي العديد من البلدان النامية يصل عدد السكان الذين تقل أعمارهم عن 25 عاما إلى أكثر من نصف السكان بيد أن الشباب يشاركون أقل من مواطنيهم الأكبر سنا في معظم العمليات السياسية الرسمية  مثل الانتخابات.
وتشير تقارير صادرة عن الأمم المتحدة، أن  ثمّة عقبات كبيرة تعترض طريق المشاركة السياسية للشباب على المستويات الثالثة للقدرات فعلى المستوى الفردي تتألف العقبات من الافتقار للمهارات التقنية وضعف الحافز، لا سيما للمشاركة في العلميات الرسمية التي يقودها كبار السن  والافتقار للموارد الاقتصادية والافتقار للوعي والمعرفة.
 وعلى المستوى المؤسساتي عادة ما تواجه الجمعيات التي يقودها الشباب صعوبات بسبب الافتقار للموارد الاقتصادية ومحدودية المعرفة التنظيمية لديها وعلى المستوى البيئة  ثمّة قيود هيكلية قد تتضمن ارتفاع سن الأهلية للترشح للانتخاب، إضافة إلى قيود ثقافية تكبح مشاركة الشباب.
وتوصّلت دراسة حول مشاركة الشباب إلى الاستنتاج أن الأبحاث المناهج المدرسية وتحديدًا التربية المدنية أو الوطنية ـ من حيث المحتوى وطرق التدريس ـ بوصفها سببا رئيسيا في تدني المعارف والمهارات السياسية وبالمثل  يدعو منتدى الشباب الأوروبي إلى إدراج التربية المدنية كمادة إلزامية ضمن النظام التعليمي، حيث تعتبر التغييرات في المناهج المدرسية، ولا سيما أثناء عمليات التحول السياسي نقطة دخول مهمة لتعزيز ثقافة جديدة قوامها الإبداع والمشاركة الحياة السياسية .

استغلال المدرسة لمنح الرغبة في المشاركة السياسية للأجيال القادمة

قد تكون التربية المدنية هي الموضوع الأساس الذي ينبغي للدول والحكومات والمجتمعات الانتباه له، فالمشاركة السياسية للشباب ليست عملية طبيعية يرثها الإنسان، وإنما هي عملية مكتسبة يتعلمها الشباب وتنمو خلال مراحل حياتـه وتفاعله داخل الجماعات المرجعية التي ينتمـي إليهـا ويتوقـف ممارسة الشباب لها على مدى توافر المقدرة والدافعيـة والفـرص الحقيقية التي يوفرها المجتمع له والتقاليد الـسياسية والأيديولوجيـة السائدة في المجتمع.
وقد يكون ضعف المشاركة السياسية للشباب والشابات يرجع - بحسب مختصين بشأن الشباب - إلى مجموعة عوامل منها على سبيل المثال  النطاق العمري والوضع الاقتصادي ومستوى التعليم والدين والمنزلة الاجتماعية والمفاهيم الخاصة بقيمة المشاركة السياسية والآراء السياسية والإعاقات أو الاحتياجات الخاصة.

أسباب العزوف وطرق مواجهتها

وقد يرجع عزوف الشباب عن المشاركة السياسية إلى غياب الديمقراطية داخل الأحزاب وغياب البرامج الحزبية وعدم منح الشباب الفرصة داخل الأحزاب السياسية للترشح للانتخابات التشريعية والمحلية وعدم وجود سلوك سياسي وسياسات خاصة للشباب تعكس ثقافة سياسية مختلفة لهم عن فئات المجتمع.
وربما تلعب الأمية والبطالة وخاصة بين الشباب دورا أساسيا في إحجام الشباب عن المشاركة في الحياة السياسية، حيث لا يتحقّق الإشباع للحاجات الأساسية للشباب مثل إيجاد فرص عمل مناسبة والزواج وبناء حياته المستقلة بما يؤثر سلبا على قيام الشباب بالأعمال التطوعية بداية وانتهاء بالمشاركة السياسية في الحياة العامة.
ولكن مهما كانت المسببات والأسباب ومهما اختلفت من بلد إلى آخر  فإن عزوف الشباب عن المشاركة السياسية عامة والانتخابات خاصة  يدعو إلى القلق دائما ويبعث عن التساؤل بشأن مدى تمثيل النظام السياسي لجميع فئات المجتمع من جهة ويبعد الشباب عن الساحة السياسية ويحرمهم من ممارسة حقوقهم من جهة ثانية، ولكل من الاتجاهين نتائج ربما تقود إلى التشكيك بشرعية النظام السياسي القائم  وتحفز الشباب على نحو من الأنحاء إلى اللجوء إلى العنف المفرط في التعبير عن بعض حقوقهم المهدورة من جانب الأحزاب السياسية سواء تلك التي تقود البلد أو تلك التي تعارضها.
وبناء عليه، فقد تركزت الحوارات الدولية والوطنية بشأن المشاركة السياسية للشباب بصفة أساسية على خلق الدوافع لدى الشباب لكي يدلوا بأصواتهم في الانتخابات ويساهموا في العملية الانتخابية والسياسية بطريقة شرعية ولكيلا يكونوا أداة بيد الجماعات المتطرفة التي تستغل احتياجات الشباب وعزوفهم عن المشاركة الإيجابية في الانتخابات وتدفعهم نحو العمل العنفي غير المبرر، حيث أن وجود الشباب الفاعل في الحياة السياسية يمنح البلاد أمنا واستقرارا وتقدما.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19629

العدد 19629

الجمعة 22 نوفمبر 2024
العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19626

العدد 19626

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024