غاص المجاهد مصطفى لجنف ـ الرائد المتقاعد ـ في أعماق تاريخ الجزائر منذ المقاومات الشعبية، إلى غاية بناء المؤسسات الوطنية، أي عقب الإستقلال، مرورا بثورة أول نوفمبر المجيدة التي كانت القطيعة النهائية مع استعمار غاشم.. مستدلا بذلك بمحطات مضيئة كانت ـ فعلا ـ معبّرة عن مواقف هذا الشعب العملاق.
ما تحدث عنه كان عبارة عن أحداث متسلسلة، وحلقات مترابطة لكفاح الجزائريين الذين قرروا للوهلة الأولى ومنذ ١٨٣٠ التحرر من فرنسا مهما كانت التضحيات، المهم أن لا يبقوا تحت احتلال وحشي، لا إنساني، قضى على الإنسان وأباد السكان كما حدث مع عائلة العوفية بالحراش، عند غزوه للجزائر.
وفي هذا السياق، كان السيد مصطفى لجنف، حذرا في مسألة كتابة تاريخ الثورة، مشيرا في هذا السياق، إلى أنه لا يمكن لصنّاع الحدث أن يكتبوا عنه، كونه يثير الكثير من الحساسيات، والسقوط في مطبّات الرّد والتوضيحات فيما بعد، لأن طبيعة الحدث لا تترجم دواعيه، مع ترك الهامش والمبادرة للأجيال القادمة التي بإمكانها أن تتناول ما أنجزه الآخرون، وهذا وفق شهاداتهم الميدانية، وليس من خلال الأحكام الذاتية التي قد تؤدي إلى إفرازات غير متوقعة.. لذلك فإن أي مسعى في هذا الشأن يحتاج إلى عوامل وأدوات وحتى شروط، كالأعمال الأكاديمية، وتوفر الموضوعية، وكذلك التحلّي بالتحكم في اللغات والإلتفات إلى الآخر لمعرفة ماذا، وكيف كتب علينا؟ وهذا لنتمكن من الإلمام بكل المسائل المطروحة أمامنا ومعالجتها بالجدية اللازمة.
ورفض المجاهد مصطفى لجنف رفضا قاطعا أن يستبقنا البعض في كتابة تاريخ ثورتنا.. وعلينا أن لا نترك مثل هذا الباب مفتوحا، كون مهما كانت موضوعية الآخر، فإنه ينقل أشياء غير حقيقية ويسعى لتشويه صورة هذا الشعب وقد لاحظت ذلك في الجزء الثالث من مجلد الشخص الذي اختص في الكتابة عن ثورتنا «إيف لاكوريار» الذي نقل صور مؤثرة جدا عن الأوضاع الإجتماعية للجزائريين إبان الاحتلال في سوق بمدينة الرويبة، هذا ويكفي للقول بأن أقلام المدرسة التاريخية الكولونيالية لا يؤتمن جانبهم، مهما حاولوا الإجتهاد في هذا الجانب.. والتوجه إلى مراجعهم خلال سنوات مضت ماهو إلا نتيجة لفراغ كان موجودا ـ آنذاك ـ فمن الضروري البحث عن النهم في مجال التاريخ.
وأدرج في هذا الإطار، نقطة مهمة وأساسية وهي تجنّب أو تفادي المغالاة في الكتابة التاريخية، وهذا من إعطاء لكل ذي حق حقه، مع الحرص على الواقعية، أي نقل الأحداث كما كانت، دون منحها أكثر من حجمها الحقيقي، حتى تصنّف في خضم مسارها التاريخي.. ولا تثير أي تحفظات فلان أو إحتجاجات علاّن.