الاستفادة من التجارب الأخرى من باب الإثراء
أكدت المحامية ليندة سعد العود جبوري، خلال تدخلها في النقاش الذي تبع ندوة منتدى “الشعب” حول “الديمقراطية التشاركية والمجتمع المدني”، “استيراد الديمقراطية تماما كما يتم استيراد الألبسة والعتاد وكل الماديات، وإذا كان المال عصب الحرب، فإن الديمقراطية شكل من أشكالها” ـ وفق ما خلصت إليه ـ مفيدة بأنها تشاطر تماما “الطرح القائم على إقحام المجتمع المدني”، شرط أن يكون “حسب واقع الدولة منذ نشأة الجزائر وليس الجزائر المعاصرة فقط، بكل المقومات من ديانة وأمازيغية وعروبة، إذ لابد من فكر خاص بنا”.
وشددت الأستاذة سعد العود جبوري، على ضرورة التخلص من النمطية الديمقراطية، والتركيز بالمقابل على التنوع، مشيرة إلى أنه لا يوجد لا استثناء ديني ولا أمازيغي. كما أن الخطأ المرتكب، وفق تحليلها، متعلق بالاستنساخ، مستدلة في ذلك بالقوانين الجزائرية منها “قانون العقوبات المستنسخ عن القانون الفرنسي ما يطرح مشكلا عويصا لدى التنفيذ، لأننا لم نفكر ولم ننتج ما يتمشى وواقعنا”، ما يفرض التفكير في ديمقراطية جزائرية محضة.
في هذا الصدد، أكد محمد طيبي، المختص في علم الاجتماع، أنه طرح إشكالية التمايز وليس التمييز، انطلاقا من الإيمان بفكرة، لافتا إلى أن الكتاب الذي يحمل اسم “الإمتاع والمؤانسة” يطرح الفكرة وتخصيبها، لأنه بمجرد عزلها تموت، وعبقرية المجتمع تكون حاضنة للتجديد في بنية النخب.
وبخصوص القوانين، أكد أنه من دعاة “تأصيلها كجوهر وكصياغات”، لأنها ناقصة كثيرا من هذا الجانب”، لافتا إلى أن الأمم التي عاشت ما عاشته الجزائر لا يمكن لها أن تسلم من تبعات ما عاشته، لأن الأمر يتعلق بإبادة ضد شعب وحضارة ومجتمع وليست حرب إبادة عسكرية”.
وردا على سؤال حول مدى إخفاق النخب الجزائرية في بناء الدولة الوطنية وكذا الاستفادة من التجارب الأخرى لإثراء التجربة الجزائرية، أوضح منشط الندوة أن “التسامح الفكري مؤشر على خصوبة الفكر عند الناس”، منتقدا “التهافت على إعطاء الدولة صبغة إيديولوجية بدل الصبغة الوطنية كفضاء للتفاهم”. وبرأيه، فإننا “لن نصل بعد إلى مرحلة النضج، إذ لم نتجاوز مرحلة اللغو الفكري”.
وفيما يخص الاستفادة من التجارب الأخرى، قال “قد نستفيد من ديمقراطية أخرى، لأن البشر يتقاسمون المعاني والأفكار، مع إضافة خصوصياتنا”، لافتا إلى أن “التبعية الفكرية أعقد بكثير من التبعية الاقتصادية”.
من جهته طرح الأستاذ زيتون مراد، خلال تدخله، إشكالية الديمقراطية الخاصة بالدولة الجزائرية، شعب انتصر على مستعمِر وأسس جمهورية ديمقراطية شعبية على أساس مرجعيتنا ممثلة في بيان أول نوفمبر، متسائلا هل يمكن أن تكون الأخيرة الخريطة الوحيدة لبناء الديمقراطية، وهل يمكن الأخذ من غيرنا ما يصلح لبلدنا، وهل فتحنا حوارا حقيقيا لجميع النخب لبناء ديمقراطية خالصة للحفاظ على البلد والهوية.
الأستاذ طيبي وردّا على هذا الانشغال، تساءل ماذا بقي من بيان أول نوفمبر لحاضرنا، وكان العنصر الأول في ردّه المغزى الذي أعلن به الشعب أن له تاريخ وحضور ومشروع، مؤكدا أن البيان والنشيد الوطني أسرار الثورة الجزائرية، يمثلان العبقرية الجزائرية، أما العنصر الثاني فكان خلق معالم لمرجعية تاركا الأبواب مفتوحة أمام الاختلافات والتوجهات، والآن لا بد من التوجه إلى مرحلة التجدد بالفكر والقيم والروح.ونبّه إلى أن “الوطنيين سيصبحون أقلية في أجل أقصاه عقد من الزمن”، مؤكدا “أن الإسلامي الذي يعطل ويخرب ويقلق واصفا إياه بالنماذج التي لا عقل لها “لن تتمكن من أن تكون أغلبية”، مفيدا بأنه “لا يوافق مقاربة المنظّرين لفكر سياسي يسمي نفسه إسلامي، فعوض أن تكبّ الأفكار في التجديد، تكتب في التفكيك لصناعة الوهم الجديد لتكسير العروة الوثقى بين الجزائريين”، وخلص إلى القول “مسألة الأمن الوطني والمسؤولية السياسية للفاعلين، لا ينبغي أن تغفل الخطوط الحمراء ممثلة في السيادة والأمن.