مدير المدرسة الوطنية العليا للصحافة لـ”الشعب”:

الجزائر تملك الآليات القانونية لتأطير حرية الإعلام

حاوره: حمزة محصول

يتحدّث البروفيسور عبد السلام بن زاوي، في هذا الحوار، الذي خصّ به “الشعب” عن واقع الصحافة في الجزائر بعد ربع قرن من التعددية، ويعتقد أن وضع الآليات اللازمة لتأطير وتطوير القطاع تسير في الطريق الصحيح، داعيا الإعلام العمومي إلى لعب دور الريادة.

الشعب: نحتفل للسنة الثانية على التوالي، بالعيد الوطني للصحافة الجزائرية الذي أقرّه رئيس الجمهورية و المصادف لـ22 أكتوبر من كل سنة، ماذا يمكن أن يحمل هذا اليوم من رمزية لقطاع الإعلام في بلادنا في نظركم؟
عبد السلام بن زاوي: أرى أن الرمزية الأساسية لهذا اليوم الوطني الذي يحتفي بالصحافة الوطنية تكمن في دلالتين، هما أن السلطات العمومية تولي أهمية كبيرة لقطاع الإعلام ودوره في المجتمع من حيث أنه الجسر الذي يقرب بينها وبين المواطنين باعتباره جسرا حساسا، وكذلك أن وسائل الإعلام في العالم بصفة عامة أصبحت هي الفاعل الأساسي في حياة المجتمعات سواء أثناء السلم أو في أوقات الأزمات، ولذلك لابد من وقفة سنوية حتى نقوم بحوصلة ونقيّم ما تحقّق من مكاسب وظهر من نقائص ثم نتطلّع نحو مشاريع مستقبلية لتطوير القطاع.
مضت أزيد من 24 سنة على التعددية الإعلامية في الجزائر، كيف تقيّمون هذه التجربة؟  
 تجربة التعددية في الجزائر فريدة من نوعها في العالم العربي وحتى في العالم الثالث، حتى قبل ظهور القنوات التلفزيونية الخاصة اليوم، ولكن الظروف التي عاشتها البلاد آنذاك ربما منعتها من التطور بالتصور الذي كان ينظر إليه آنذاك.
ولو أقيّم التجربة من ناحية التكوين والأداء ـ أقول ـ إنه وبحكم أن لديّ أزيد من 30 سنة في تكوين الصحفيين والاحتكاك بهم مهنيا، هناك طاقات شبانية ومادة خام معتبرة والجامعة الجزائرية مهما يقال عنها، كوّنت صحفيين والدليل أنهم الكثير منهم أصبحوا نجوما في القنوات العربية الكبرى، يبقى فقط صقل هذه المواهب والطاقات في التجربة المهنية اللازمة للرقي بالأداء المهني ككل.
والصحفي الجزائري ومهما قيل عنه، إلا أنه من طينة خاصة، فالظروف الصعبة التي عرفها وبحكم معايشته لها أكسبته خبرة مهنية لابأس بها.
بعد اجتياز الجزائر لهذه المرحلة الخطيرة، لابد من إعادة النظر وتقييم شامل للتجربة ووضعها في الطريق الصحيح، وهو ما يجري حاليا من خلال وضع الآليات القانونية اللازمة، كقانون الإعلام الجديد، القانون الخاص بالنشاط السمعي البصري وآليات الضبط الخاصة بالسمعي البصري ومجلس أخلاقيات المهنة.
وهذه هيئات موجودة في العالم بأسره، لأنه جميل أن تفتح المجال وتطلق طاقات الصحفيين ولكن لابد من وضع إطار أخلاقي ومهني للصحافي لتفادي التجاوزات من كل الأطراف، فهو في الحقيقة إطار قانوني لحرية الصحافة يسمح بتكريسها في الإطار الصحيح.
أسال فتح المجال السمعي البصري في الجزائر كثيرا من الحبر، قبل أن يتم سنّ قانون خاص بالنشاط سبقه ظهور قنوات خاصة، إلى أي مدى يمكن أن يؤدي ذلك إلى الرقي بالممارسة الإعلامية في البلاد؟
 في البداية يجب أن نشير، إلى أن فتح المجال السمعي البصري كان من المفروض أن يتم في التسعينات، ولكن الظروف منعت ذلك. وأنا من أولئك الذين يقولون، إن فتح المجال السمعي البصري شيء حساس جدا، لأن الصورة أخطر من الكلمة وتخاطب الجميع، وبالتالي أن نفتح بدون وضع آليات الضبط شيء أظنه مجازفة.
وظهور ما يسمى بالقنوات الخاصة، التي تعتبر قنوات أجنبية، استقطبت في  البداية جمهورا عريضا لأنها خاطبته بلغة تختلف عن لغة القناة العمومية، ولكن سرعان ما لاحظ الناس أنها تفتقد للمهنية وبدأ نوع من النفور منها وليس لها برامج مدروسة وتبث الأشياء عفوية وتعتقد أن الإعلام هو الأشياء السلبية فقط، ولا يوجد شيء جميل في البلاد، فهي لا تتكلم عن الايجابيات وأحيانا تشوّه الحقائق. إضافة إلى أنها وعاء للإشهار تركز على البرامج الترفيهية لأنها تبحث عن الربح.
ورغم كل شيء، ظهور هذه القنوات يبن أن هناك رغبة حقيقية لفتح القطاع لأطراف خاصة، فالطاقات موجودة والإمكانيات موجودة كذلك، يبقى أن تخضع للقانون الجزائري وتعمل تحت مراقبة هيئات الضبط في إطار ما يسمى بدفتر الشروط وهو ما يجري تجسيده حاليا.
وفي ظلّ هذا الزخم يصبح دور الإعلام العمومي كبير جدا وعليه أن يرفع تحدي المنافسة ويكون هو الرائد في رفع مستوى الأداء المهني، فالدول المتقدمة لديها وسائل وقنوات خاصة، ولكن تبقى القنوات الهامة هي العمومية، فالواجهة الخارجية لفرنسا مثلا هي قناة إخبارية معروفة تخدم المصلحة القومية لفرنسا، ولا بد أن نفكّر في الجزائر لأن الجانب الإخباري حساس ومرتبط بالمصلحة الوطنية القومية  ومن الضروري وجود  قناة إخبارية تخدم مصلحة الجزائر على الصعيد الدولي، وتحسين صورتها البلاد بالخارج.
 هناك من يبدي تخوفا بدور الدخلاء على قطاع الإعلام وتأثير سلطة المال على الدور الأساسي لوسائل الإعلام بعد فتح المجال أمام الخواص، هل تعتقد أنه تخوف مؤسس؟
أكيد أنه حينما نقول وسائل إعلامية خاصة فإننا نتحدث عن المال الذي وراءه مصالح الأشخاص، لكن القنوات الخاصة لما تكون احترافية تأتي بأشياء جديدة وتعزّز المشهد السمعي البصري وتخدم المصلحة العامة والخدمة العمومية، وأعتقد أن وضع بطاقة للصحافي المحترف هو خطوة مهمة نحو تطهير المهنة من الدخلاء، لأن القلم والكلمة لا يمكن إعطاؤها لأي شخص وهذا ما سيعطي لمفهوم مسؤولية الصحفي أكبر.
 هذا يقودنا للمجلس الأعلى لأخلاقيات المهنة، ما الدور المنوط بهذه الهيئة التي وضعت من بين الآليات المؤطرة للقطاع؟
المجلس الأعلى لأخلاقيات المهنة مهامه جد حساسة، لأن ليس له سلطة قمع، وإنما مراقبة الأخلاقيات التي لا تظهر في القنوات وفي مواثيق يتفق عليها الصحفيين أنفسهم وهم من يشكّلون هذه الهيئة وفي كثير من دول العالم لا تجد لا وزارة اتصال ولا قانون إعلام، ولكن تجد هيئة أخلاقيات المهنة، الشيء الجميل أن الأخلاقيات تمسّ المهن النبيلة الطبيب، المحامين الصحفي بالنظر لدورهم الهام داخل المجتمع
 تركّز السلطات على الاحترافية والجرأة والموضوعية، وهناك من يعتقد أن مكانة الإعلام العمومي تراجعت نوعا ما بسبب غياب تلك المعالجة الجريئة التي يريدها المواطن؟
أظن أن المشكل بالأساس يكمن في الرقابة الذاتية التي يمارسها الصحافي على نفسه حينما يظن أنه من المستحيل أن يتطرّق إلى مواضيع معيّنة، وهذا يظهر من خلال الخطاب الإعلامي للوسائل الإعلامية العمومية، ولكن هذا لا ينقص أبدا من مكانته الهامة في تقديم الخدمة العمومية الضرورية بعيد عن الإثارة أو التشويه.
ولا بد من الجرأة التي تتم في إطار الموضوعية والاحترافية ومعالجة المواضيع التي تمسّ المشاكل الحقيقية المجتمع وخاصة تلك الخاصة بتطلعات الشباب وبالتالي هناك عمل كبير يحتاج إلى تحسين في نوعية البرامج والأنماط الصحفية وطريقة المعالجة.
يشتكي الصحفيون في معظم الأحيان، من صعوبة الحصول على المعلومة والوصول إلى مصادر الخبر، بما تفسّر هذا العراقيل التقليدية؟
علينا القول، إنّ من المسؤولين الجزائريين من يخاف الإعلام، ولديهم نظرة سيئة للصحافي بحيث يرى وكأنه عدو يأتي للمقابلة وهمه البحث عن الأمور السلبية ويتحيّن فرصة الإيقاع بهم، فيجب أن تتغير هذه النظرة وأن تخلق علاقة ودية حميمية بين الصحافي والمسؤول، لأن المسؤول يخدم المصلحة العامة والصحافي المحترف طبعا يخدم ذات المصلحة فغايتهما واحدة، وينبغي الانتباه إلى أن وعدم إعطاء الخبر يخلق ما يسمى الإشاعة التي لا تخدم الإعلام وإنما المصالح الضيقة والمغرضة. ولابد كذلك على المؤسسات أن تولي اهتمام للإعلام بوضع المختصين على رأس خلايا الاتصال.
ألا تظن في المقابل أن غياب هيئة جامعة للصحفيين يشكّل عائقا أمام تطور المناخ الملائم لممارسة النشاط الإعلامي؟
في كثير من الأحيان عندما تريد السلطات العمومية فتح نقاش حول قانون أو إجراء يخصّ القطاع،  لا تجد من تخاطب، فليس هناك نقابات جامعة للصحفيين. كانت هناك محاولات، لكن دائما ما قيل عنها أنها تجمع فئات معينة ذات اتجاه معين، وبالتالي ليس هناك إلى يومنا هذا جمعية تنظّم الصحفيين، وأظن أن الأمر يرجع للصحفيين أنفسهم وغير ممكن أن تنوب عنهم السلطات في ذلك.
كما نرى وجود فوضى وتجوال للصحفيين من مؤسسة إلى أخرى، بشكل أعطى الانطباع أن المال أصبح همهم الوحيد وهذا لا يخدم المهنة، وعلى الصحافي أن يبحث عن إطار يسمح له يفجّر قدراته المهنية، ومادام ليس هناك جمعية جامعة لا يمكن الحديث عن  تتطور الصحافة  في البلاد.
 الحديث عن واقع الإعلام في الجزائر يقود إلى مسألة أساسية تتمثل في التكوين، فما هي إستراتيجية عمل المدرسة الوطنية العليا للصحافة وعلوم الإعلام؟
كان إنشاء مدرسة عليا متخصصة في علوم الإعلام والصحافة، بهدف التكوين في إطار مؤسسة نخبوية تخرّج كفاءات متمكنة وتلبي رغبة وسائل الإعلام التي غالبا ما تشتكي من ضعف التكوين، وانطلقت المدرسة في 2009 بوسائل بسيطة، لكنها أخذت مسارها كما ينبغي اليوم.
وسنعمل في المستقبل القريب على تطوير نوعية تكوين الطلبة من ناحية الأداء المهني، وأيضا من ناحية تطوير المعرفة في حقل علوم الإعلام والاتصال، مع توفير الوسائل اللازمة تحت تأطير أساتذة أكفاء.
وانطلقنا هذه السنة في طور الدراسات العليا (الدكتوراه) تسمح بتطوير البحث العلمي مع إعادة النظر في البرامج البيداغوجية التي لابد أن تتلاءم وأهداف المدرسة في التكوين التقني المهني للطلبة والتكوين الأكاديمي الممتاز من خلال إبرام اتفاقيات ثنائية مع جامعات أجنبية، ونفكر أيضا في جعلها قطب جهوي يستقطب الطلبة الأجانب.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19626

العدد 19626

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19625

العدد 19625

الإثنين 18 نوفمبر 2024